الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
والعبد - عندنا - يملك ملكاً غير مستقر دون ملك الحر، وإذا ملكه سيده مالاً ملك، وقال (ش) و(ح): لا يملك مطلقاً، وإذا ملكه جارية جاز له وطؤُّها عندنا خلافاً لهما. احتجا بقوله تعالى: (ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء). فسلبه القدرة على العموم، فلا يملك وإلا لكانت له قدرة، وبقوله تعالى: (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم). فجعل حكم عبيدنا في الملك معنا كحكم عبيده معه سبحانه وتعالى وليس لأحد مع الله تعالى ملك. وكذلك عبيدنا معنا، ولأنه مملوك فلا يملك كالبهيمة، ولأن الحربي يملك، فإذا رق زال ملكه، والذمي يملك فإذا ذهب لدار الحرب ثم سُبي فرق زال ملكه، فإذا كان طريان الرق يزيل الملك ويمنع استدامته، فأولى إذا قارنه، ولأن القول بالملك يقتضي التناقض، كأن يأذن السيد للعبد في التجارة وشراء الرقيق، والإذن لهم فيشتري ويأذن فيشتري العبد الأسفل الأعلى من السيد، فيكون كل واحد رقيقاً لصاحبه، فيكون القاهر مقهوراً والأعلى أسفل، ولأن الحر لا يملك مثله، فالعبد لا يملك مثله تسوية بين البابين. والجواب عن الأول: القول بالموجب لوجهين: أحدهما: أن (عبداً) ليس صيغة عموم، فيقتضي أن عبداً من العبيد ليس له ملك ونحن نقول به. بل بعض الأحرار كذلك، وثانيهما: أنه وصفه بعدم القدرة، فلو كان العبد لا يقدر لزم التكرار، وعن الثاني: القول بالموجب فإن الله تعالى نفى المساواة، وهو صحيح فإن ملك العبد لا يساوي ملك الحر، أو نقول: وجه التنظير يقتضي ملك العبد إذا ملك، فإنا إذا ملّكنا الله تعالى مَلَكنا، وعن الثالث: الفرق فإن العبد تعلقت به أكثر أحكام الحرية من التكاليف وغيرها فتعلق به الملك بخلاف البهيمة، وعن الرابع: أن العبد إنما يملك إذا ملَّكه السيد، وفي الاسترقاق المذكور لم يملكه السيد شيئاً ثم نقول: لا يمنع ابتداء النكاح، ويمنع دوامه إذا طرأ عليه، فإن سبي الزوج يمنع استدامة النكاح، وهو رق، والرق لا يمنع ابتداء النكاح، وكذلك السبي يسقط الدين عن المسبي، مع أن الرق لا يمنع ابتداء الدين، وعن الخامس: أن بيع السيد العبد الأعلى للأسفل يقتضي بقاء ماله للحر ومن ماله العبد الأسفل فيصير الأسفل أعلا والأعلى أسفل، وهذا لا يقتضي بطلان الملك، كمن استأجر من استأجره، فإن كل واحد منهما مطالب لصاحبه بحقه. وعن السادس: الفرق بين البابين: أن أحدهما فيه الشبهان بالأموال من جهة أنه يباع، وبالمالك من جهة أنه مكلف فأمكن أن يكون يملك مثله مثله لشبه الأموال، بخلاف الحر فثم ينتقض ما ذكرتم بالمنافع، فإن كل واحد من الحرين يجوز أن يملك منافع صاحبه بالإجارة، ويتأكد مذهبنا بوجوه: أحدها: قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله). فوصفهم بالفقر يدل على قبولهم للغنى، فإنه لا يقال للجماد: أعمى ولا أصم؛ لعدم قبوله للبصر والسماع، ثم إنهم إما أن يكونوا فقراء أو لا يكونوا فقد اتصفوا بالغنى، وهو فرع الملك فثبت أنهم يملكون، وإن كانوا فقراء فقد، قال الله تعالى: إنه يغنيهم، وخبره تعالى صدق فلا بد أن يتصفوا بالغنى وهو فرعالملك، فصار الملك لازما للنقيضين فيكون واقعا قطعا؛ لأنه لا بد من وقوع أحد النقيضين بالضرورة، وثانيها: قوله – عليه السلام - " من أعتق عبداً وله مال فماله له إلا أن يستثنيه السيد)، وثالثها: قوله: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) وجه الدليل من وجوه: أحدها: أن اللام للملك عند إضافة المال لقابل له، وهو قابل له لأنه مكلف لدوران قبول الملك مع التكليف وجوداً وعدماً، أما وجوداً ففي الحر، وأما عدماً ففي البهيمة. وثانيها أنه اشترط في ملك البائع له أن يبيع العبد، ولو كان له قبل البيع لسقط التعليق. وثالثها: لو كان العبد لا يملك لم يختص لتخصيص البائع بالملك في حالة مخصوصة، بل يكون له مطلقاً. الرابع: على أصل المسألة أن نقول: آدمي قابل للتكليف فيملك قياساً على الحر، وخامسها: أن الدين سبب لإتلاف أموال الناس فتعلق بالمأذون، والدين لا يثبت إلا حيث يتصور الملك، وإلا فلا فائدة في الدين. وسادسها: أنه يملك الأبضاع وهي أعظم من الأموال؛ فوجب أن يملكها قياساً على الحر. وسابعها: أنه يصح مخالعته على الأعواض فوجب أن يملكها في الخُلع وغيره، قياساً على الحر، إذا تقرر أن العبد يملك فهو محجور عليه لتعلق حق السيد بماليته، وماله يزيد فيها، فليس له التصرف فيه إلا بإذن السيد. فرع: في الكتاب: إذا أذن له في التجارة تجر فيما شاء؛ لأن الإذن مطلق ولزم ذمته ما داين الناس به من جميع أنواع التجارات؛ لأن الناس يغترون بتصرفه، والإذن في الصنعة كالقصارة ليس إذناً في التجارة ولا في المداينة، قال صاحب النكت: إذا أذن له في نوع مخصوص واشتهر ذلك وأعلنه، لم يلزم (ماله الدين في غير ذلك النوع، كما إذا حجر عليه واشتهر ذلك لم يلزم) ما داين بعد الحجر، ولا يعذر من جهل الحجر، وعن ابن القاسم: إذا أذن له بالتجارة في مال، وأمره أن لا يعامل إلا بالنقد، فداين تلعق الدين بمال، وإن لم يكن غيره المشتري ثم أذن له أن لا يتجر إلا في البز فتجر في غيره: قال ابن القاسم: فإن قصر ما في يديه عن الدين: استحسن أن يكون في الذمة، قال: وفيه ضعف، قال سحنون: إذا شرط لا يجوز على سيده تعديه، قال: يحتمل أن يكون هذا الخلاف إذا لم يشتهر ذلك، وإذا أفسد المأذون في الصنعة لا يكون ذلك في أجرته؛ لأنها خراج للسيد، وكذلك لا يلزمه السيد في آلة القصارة إن كان السيد أعطاه ذلك يستعين به؛ فإنها عارية، قال الشيخ أبو الحسن: معنى قوله في الكتاب: الدين في مال المأذون؛ أي: إذا وهب له مال ليوفى ذلك منه، وأما أن وهب له لغير ذلك فهو بمنزلة ما اكتسبه من غير التجارة، وقال أبو محمد: سواء وهب بشرط أم لا يتعلق به الدين؛ لأنه ليس من مال السيد ولا من كسب عبده. فرع: في الكتاب: يجوز تأخير الغريم بالدين والحطيطة لاستئلاف القلوب لاندراجه في الإذن للتجارة، ويمتنع غير ذلك لأنه ضياع مال السيد، وليس للعبد الكثير المال الإنفاق على ولده إلا بإذن سيده، ويجوز إطعامه لاسئلاف وتمتنع عاريته، قال ابن يونس: وقيل: تجوز العارية للمكان القريب، وإعطاء السائل الكسرة لأنه مأذون فيه عرفاً، قال اللخمي: فإن وهب أو أخذ الثمن أكثر من العادة رد الجميع، وإذا رد السيد الهبة أو الصدقة وهي معينة بطل العقد قبضت أم لا، وتكون له إذا عتق كانت في يديه أو بيد المتصدق عليه، أو قيمتها وإن استهلكت، وغير المعينة كقوله: لك عندي كذا، أو في مالي أو ذمتي، للسيد ردها عند ابن القاسم لأنها تنقصه، وخالفه أشهب لعدم التعيين؛ لأنه لا يؤاخذ بها إلا بعد العتق فلا ضرر، وللسيد بعد القبض الرد اتفاقاً لتعينها بالقبض فرع: قال اللخمي: إذا تعدى على وديعة عنده، ولا مال له، هل تكون في ذمته أو رقبته؟ وإذا كانت في ذمته فهل للسيد إسقاطها؟ قال ابن القاسم: ذلك له في المحجور عليه دون المأذون، وقال أشهب: إذا كان يستودع مثله فلا شيء عليه حتى يملك نفسه بالعتق، وقال يحيى بن عمر: هي من ضمانه. وقال مالك: هي جناية. قال: وأما الوديعة إن كانت عيناً وهو مؤتمن فهي في ذمته؛ لأن له تسلفها على أحد الأقوال، فإن كان معسراً أو هي عرض حسن الاختلاف، وكونها في الذمة أحسن؛ لأن المالك وضع يد العبد مختاراً بخلاف المدعي إرسال سيده له، ولو قال: أرسلني فلان لم تكن في رقبته لإمكان صدقه. فرع: في الكتاب: غير المأذون لا يتبع بدين إلا في ذمته بعد العتق؛ لأن الأصل عصمة مال السيد فيه، إلا أن يسقطه عنه السيد أو السلطان؛ لأن ذلك يعيبه، وليس لأحد أن يعيب مال غيره. فرع: قال: كل ما استهلك المأذون مما أخذه بإذن ربه من وديعة أو غيرها ففي ذمته لا في رقبته، وليس للسيد فسخه عنه؛ لأنه أذن له. فرع: قال: للمأذون بيع أم ولده إن أذن له السيد، وتباع فيما عليه من دين لأنها ماله (ولا حرية فيها، ولأنها قد تكون حبلى وحملها للسيد، والدين محقق، والولد موهوم، ولا يباع ولده منها لأنه ليس على ماله) . قال صاحب النكت: إذا بيعت في الدين فظهرت حاملاً: قيل: للسيد فسخ البيع لحقه في الحمل، وقيل: لا؛ لأن البيع وقع صحيحاً، والفرق بين بيع هذه والمكاتب يبيع أم ولده إذا خاف العجز، وقد تكون حاملاً، وحملها مكاتب لا يشترط إذن السيد: أن خوف العجز كالدين على المأذون؛ لأن كليهما حق عليه، والأمة التي يطأها المأذون بخلاف الولد؛ لأن أم الولد دفعت للإيلاد. فرع: في الكتاب: إذا اشترى المأذون وعليه دين: بيع في دينه؛ لأنه أتلف مال غرمائه. فرع: قال: للسيد ردُّ ما وهب العبد والمكاتب أو أم الولد، أو تصدقوا به، فإن استهلك فالقيمة لهم إلا أن يكون انتزاعاً من غير المكاتب فيقبضها هو. فرع: قال إذا أذن في التجارة في مال دفعه له؛ فالدين فيه دون مال العبد، وبقيته في ذمته لا في رقبته ولا في ذمة السيد؛ لأن الإذن يوجب التعليق بالمال والذمة لا في رقبته ولا في ذمة السيد؛ لأن الإذن يوجب التعليق بالمال أو الذمة، وإنما يتعلق برقبة الجنايات، وقال (ح): يباع في الدين لأنه حق كالجناية. لنا: أنه - عليه السلام - لم يزد في غُرماء معاذ على أن خلع لهم ماله. ولأنه إنما عومل على ماله دون رقبته فلا يباع؛ لأنه إضرار بالسيد ولم يدخل عليه. فرع: قال: لا يحاص السيد غرماء عبده بما دفع إليه من المال؛ لأنه لم يدخل على أن ذلك المال دين عليه بخلاف الغرماء، إلا أن يعامله بعد ذلك فيسلفه أو يبايعه بغير محاباة فيحاص بذلك فيما دفع إليه من المال للتجارة، وفي مال العبد؛ لأنه دخل على المداينة كالغرماء، فإن رهنه العبد رهناً فهو أحق به، وإن باعه سلعة بما لايشبه كثرة فالغرماء أحق منه، قال ابن يونس: قال يحيى ابن عمر: ويضرب معهم بقيمة السلعة وتسقط المحاباة، وإن فلس وفي يده مال للسيد لم يتجر فيه فالسيد أحق به بخلاف ما اتجر به؛ لأنه غير ماله، كالبائع يجد سلعته وما وهب للمأذون وقد اغترقه الدين فللغرماء دون السيد؛ لأن إذنه في التجارة يتسلط على ما لا يكون ملكاً له، والسيد أحق بكسبه وعمل يديه وأرش جراحه وقيمته أن قتل؛ لأنه ناشئ من عين ماله، وإنما يكون الدين فيما وهب له أو تصدق به عليه، أو أوصى له به فيقبله العبد، وقد تقدم خلاف عبد الحق في الهبة. فرع: في الكتاب: إذا باعه سلعة معينة ففلس العبد فسيده أحق بها إلا أن يدفع الغرماء ماله على قاعدة التفليس، فإن أسلم له أو لأجنبي دنانير في طعام ثم فلس فهو أحق بعينها من الغرماء إن شهد بعينها بينة لم تفارقه. قال صاحب النكت: قيل اشتراط هاهنا عدم مفارة البينة، فلو فارقت ثم شهدت بأعيانها لا يحكم بأعيانها بخلاف من استحق دنانير تقبل شهادتهم وإن غاب عليها؛ لأنه غير راض بالدفع بخلاف الأول. فرع: في الكتاب: إقرار المأذون في صحته أو مرضه لمن لا يتهم عليه قبل قيام غرمائه جائز؛ لأن من صح إنشاؤه صح إقراره، ويجوز إقراره بالدين على ما بيده من المال، وإن حجر عليه سيده فيه ما لم يفلس؛ لأن الإذن في المتجر إذن في الدين، (قال صاحب النكت): قيل: يريد إذا كان بقرب الحجر وإلا فلا، وإن دفع غريم له دينه بعد الحجر جاهلاً بالتحجير لا يعذر على قول ابن القاسم، كالدافع للوكيل بعد العزل جاهلاً بالعزل، وهذا إذا قبض ماله إذا حجر وترك المال بيده بريء من قضائه جاهلاً؛ لأن بقاء المال غرور للناس. فيعذر الدافع بالجهل، وفي الجواهر: قال ابن وهب لا يقبل إقراره بعد الحِجر مطلقاً. فرع: قال صاحب النكت: إذا عجز المكاتب وبيده مال وهو قبل الكتابة مأذون له في التجارة، بقي على ذلك حتى يحجر عليه، أو محجوراً عليه، رجع إلى ما كان عليه، وقيل: لا يرجع الإذن؛ لأن الكتابة أسقطت حكمة. فرع: قال: إذا ادعى السيد الثوب الذي أقر به المحجور عليه لفلان، يحلف على إن هذا مال لعبدي إن علم براءه أو ملكه إياه، وأما إن قال: هو بيد عبدي حلف: ما أعلم فيه لفلان حقاً، قال ابن يونس في كتاب محمد: إذا أعلن الحجر عند الحاكم وفي سوقه وسائر الأسواق، لم يلزمه الإقرار لامستأنفاً ولا قديماً إلا أن تقوم بينة بقدمه، وقال النعمان: يغرم فيما في يديه دون رقبته؛ لأنه مضطر لبراءة ذمته. فرع: في الكتاب: لا يلزم السيد عهدة ما اشتراه المأذون؛ لأن الأصل براءة ذمته من العهد، إلا أن يقول: أنا ضامن فيلزم ذمة العبد أيضاً، ويباع العبد في ذلك إن لم يوفه السيد؛ لأنه أعظم من الجناية؛ لأنه لم يلتزمها. فرع: قال: لا أرى الإذن للعبد النصراني في البيع؛ لقوله تعالى: (وأخذِهِم الربا). فرع: قال: لا يجوز لأحد الشريكين في العبد الإذن للتجارة دون صاحبه. ولا قسمة ماله إلا أن يرضى الآخر لأنه ينقص العبد، ومن دعى إلى بيعه منهما فذلك له نفياً للضرر، إلا أن يتقاوياه بينهما؛ لأنه أقرب لبقاء الملك مع نفي الضرر، قال اللخمي: منع مالك استقلال أحد الشريكين بقسمة المال إذا كان بقاء المال يزيد في ثمنه أكثر من ذلك المال، فإن زاد مثله قدم طالب القسمة؛ لأن الأصل التصرف في الملك ما لم يضر بالشريك. فرع: قال: إذا أحاط الدين بمال المأذون فادعى السيد أن ما بيده له، وقال العبد: لي صدق العبد تشبيهاً بالحر بسبب الإذن، ويصدق السيد في غير المأذون لقوة الملك والقدرة على الانتزاع. فرع: قال: لا يحجر على عبد إلا عند السلطان فيوقفه السلطان للناس، ويشهره في مجلسه، ويشهد على ذلك فيحذر الناس معاملته، وكذلك غير العبد، وإذا اغترق الدين مال المأذون فللسيد الحجر عليه، (ولاشيء للعبد في ماله إلا أن يفضل عن دينه كالحر، وليس للغرماء الحجر عليه، بل يقوموا عليه فيقاسموه كالحر)، وفي الجواهر: وقيل: يكفي في الحجر السيد كما يكفي في الإذن، قال اللخمي: إذا لم تطل إقامته فيما أذن له فيه كفى السيد، ويذكر ذلك عند من يخالطه، وإلا فلا بد من السلطان، فإنه الحاسم لضرر الناس. فرع: قال ابن يونس: قال في كتاب الشركة: للمأذون أن يدفع مالاً قراضاً؛ لأنه من باب التنمية، وقال سحنون: لا يدفع قراضاً ولا يأخذه؛ لأنه إجارة ولم يؤذن له إلا في التجارة. فرع: في الجواهر: لا ينبغي الإذن لغير المأذون ومتعاطي الربا، فإن فعل وكان يعمل بالربا تصدق السيد بالربح، وإن جهل ما يدخل عليه من الفساد في البيع استحب التصدق بالربح لعدم تعين الفساد، وكذلك العبد والذمي إذا اتجر مع المسلمين، فإن تجر مع أهل دينه فأربى وتجر في الخمر فعلى القول بأنهم مخاطبون بالفروع فكالأول، والأسوغ للسيد ذلك أن تجر بنفسه، وإن تجر للسيد فكتولي السيد لذلك؛ لأن يد الوكيل كيد الموكل. فرع: في الجواهر: إذا باع غير المأذون انعقد، ووقفت إجازته على إذن السيد، لأنه أهل للمعاملة، وإنما منع لحق السيد، ويجوز قبوله للوصية والهبة دون إذن سيده لعدم الضرر، ويخالع امرأته، قال اللخمي: والمدبر وأم الولد على الحجر والمعتق بعضه في يوم سيده كذلك، وفي يومه كالحر وله البيع إلى أجل بالمال الذي حصل له بالمقاسمة، وهو في الهبة والنكاح والسفر على الحجر، والمكاتب على الإطلاق، إلا في الهبات والصدقة والنكاح؛ لأنها تؤدي إلى التعجيز. وفي السفر قولان نظراً للحجر، أو لأنه قد ينمي ماله فيستعين به عن الكتابة، قال: وأرى أن ينظر إلى المكاتب في الوثوق بغيبته ورجوعه قبل حلول نجم فيجوز، وإلا منع. فرع: قال اللخمي: إذا أذن السيد للعبد حرم عليه تجاوز إذنه، فإن أذن في البَز فاشترى غيره لم يتعلق بالمال، فإن أشكل هل أذن له في هذا أم لا؟ ففي كونه يتعلق بالمال الذي بيده قولان: مع الفوات ومع القيام للسيد رده، وألزمه في الكتاب: إذا أذن في نوع سائر الأنواع؛ لأنه أقعده للناس، وقال أيضاً: ذلك ليس بعذر، وقال أيضاً: إذا أذن في النقد فباع بالنسيئة لا يلزمه، وقال سحنون: يلزمه، وأرى إن كان ذلك العبد لا يقف عند المأذون فيه أن يلزمه؛ لأنه غر الناس، فإن هلك المبيع بغير سبب العبد أو نقص لم يلزمه أو بسببه، ولم يصون به ماله لم يتعلق بما في يده، وإن صون كان فيه الأقل من الثمن أو القيمة، فإن باعه والثمن موجود فعليه الأقل من الثمن الأول أو الثاني؛ لأن الأصل براءته، وإن ضاع الثمن لم يلزمه الغرم من ذلك المال، وإن باع بالنسيئة فتغير السوق يُخير في الإجازة والرد، وإن نقص بأكل أو لبس فللسيد الإجازة والأخذ بالقيمة، وإن لم ينظر فيه حتى حل الأجل فله أخذ الثمن، ويختلف هل يغرم العبد البعض أو يكون في ر قبته؟ وللسيد قبول المبيع نسيئة بالأقل من الثمن أو القيمة إلا أن يرضى البائع بأخذه بعينه. ويتضح بالنظر فيما يقع فيه الاختلاف وفيما يترتب على الاختلاف من مخالف وغيره. وهو أحد عشر قسماً: القسم الأول: في الاختلاف في وقوع العقد، فيصدق منكره مع يمينه إجماعاً. القسم الثاني: الاختلاف في صحته وفساده، ففي الجواهر: مذهب الكتاب: يصدق مدعي الصحة لأنها الأصل في تصرفات المسلمين. وقال المتأخرون: ما لم يؤد ذلك للاختلاف في الزيادة في الثمن أو نقصانه، فيرجع الحكم إلى الاختلاف في قدر الثمن، قال عبد الحميد وغيره: لو غلب الفساد صدق مدعيه. القسم الثالث: الاختلاف في تعجيل العقد وتأجيله، قال سند: إذا اختلفا في تأجيل الثمن قبل قبض السلعة فثلاثة أقوال: يتحالفان، ويتفاسخان عند جمهور الأصحاب و(ش) كالاختلاف في جنس الثمن؛ لأن الأجل يوجب اختلاف الرغبة في الثمن كما يوجبه اختلاف الجنس، ويصدق المشتري فيما لا يتهم على مثله عند ابن القاسم لعدم التهمة، والأصل عدم استحقاق الحال، ويصدق البائع لابن القاسم أيضاً، و(ح) وابن حنبل؛ لأن الأصل استمرار ملكه على سلعته إلا بما أقر بالرضا به، فإن اختلفا بعد قبض السلعة فثلاثة أقوال: يتحالفان، ويتفاسخان، ويصدق البائع، وإن ادعى المبتاع أجلاً قريباً صدق، كلها لابن القاسم، فإن فاتت السلعة فثلاثة أقوال: يصدق البائع عند ابن القاسم. يصدق المشتري عند مالك؛ لأن البائع أئتمنه، والأصل براءة ذمته من الحال، ويتحالفان ويتفاسخان، فثلاثة أقوال في جميع المسألة، يقدم البائع مطلقاً، وقاله (ح) وابن حنبل، ويقدم المبتاع قاله (ش)، والتفصيل إن اتفقا على الأجل واختلفا في قدرة قبل التفرق تحالفا وتفاسخا، ويجري على الاختلاف في قدر الثمن قبل التفرق، وفي الكتاب: إذا اتفقا على الأجل دون قدره ولم تفت حلفا وردت، وإن فاتت بيد المبتاع صدق مع يمينه؛ لأن البائع ائتمنه مع يمينه فيما يشبه في الموضعين، فإن اتفقا على قدر الأجل وتنازعا في حلوله: صدق المبتاع مع يمينه، وكذلك رب الدار والأجير؛ لأن الأصل عدم الحلول، وفي الجواهر: الاختلاف في الأجل كالاختلاف في مقدار الثمن غير أنه اعتيد الشراء بالنقد في بعض السلع فصار عُرفاً، فيرجع إليه، ونزل بعض المتأجرين اختلاف الأصحاب على العوائد، وقيل: التفرقة بين قريب الأجل فيتحالفان ويتفاسخان كالاختلاف في قدر الثمن، وبين بعيده فيصدق البائع. القسم الرابع: الاختلاف في جنس الثمن، ففي الجواهر: إذا اختلفا في جنس الثمن كالثوب والشعير تحالفا، ويتفاسخا إذا ليس أحدهما أولى من الآخر. القسم الخامس: الاختلاف في النوع كالقمح والشعير؛ ففي الجواهر: قيل: كالجنس، وقيل: كالقدر؛ لاتحاد الجنس. القسم السادس: الاختلاف في مقدار الثمن، ففي الجواهر أربع روايات: يتحالفان ويتفاسخان إلا أن يقبض المشتري المبيع فيصدق، ويتحالفان ويتفاسخان بعد القبض ما لم يبن بالمبيع فيصدق؛ لأنه ائتمنه، ويتحالفان ويتفاسخان ما لم تفت بتغير السوق أو بدن فيصدق، وهي رواية الكتاب؛ لأنه غارم ويتحالفان ويتفاسخان وإن فاتت؛ لأن القيمة تقوم مقام العين، ولذلك سميت قيمة، وبمذهب الكتاب قال (ح)، وبالأخير قال (ش)، وفي: النسائي قال - عليه السلام -: (إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة)، وفيه: أنه - عليه السلام - أمر البائع بالحلف. ثم يختار المبتاع الأخذ أو الترك. وفي الترمذي: قال - عليه السلام -: (إذا اختلف المتبايعان في البيع والسلعة كما هي لم تستهلك، فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع). والاول مقطوع، والثاني مرسل، والثالث ضعيف، ولأن كل واحد منهما مدعٍ ومدعى عليه؛ لأن البائع يدعي عقداً بألف ويُدعى عليه عقدٌ بمائة، والمشتري يدعي عقداً بمائة ويدعى عليه عقد بألف فيتحالفان، كما لو ادعى رجل ثوباً وادعى عليه فرساً، أو لأن البائع معترف للمشتري بالملك، ويدعي عليه زيادة الثمن والأصل عدمها. فرع: قال المازري: كل ما يؤدي للاختلاف في الثمن كالأجل والحميل، واشترط الخيار فكالاختلاف في الثمن، ثم ينظر في مدعي الخيار هل يمضي العقد فلا يفتقر إلى يمين أو يرد فيختلف من يصدق منهما؟. فرع: في الجواهر: دعوى الأشبه مع القرب معتبر اتفاقاً، ومع قيام السلعة فقولان، المشهور: عدم الاعتبار للقدرة على رد السلعة ودفع التغابن، قال أبو الطاهر: وهذا ينبغي أن يكون اختلافاً في حال يعتبر الاشبه إن أبعد الآخر، ولا يعتبر إن ادعى الآخر ما هوممكن، وما يتغابن الناس بمثله، وفي الكتاب: أن أتيا مع الفوات بما لا يشبه فالقيمة يوم الشراء؛ لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر بسقوط العقد، وتجب القيمة فرع: في الكتاب: الفوات حوالة الأسواق فأعلا، والمنع. فرع: قال: إذا اختلفا في كثرة رأس المال المسلم بعد العقد أو عند حلول الأجل ولم يتغير سوق الثوب الذي هو الثمن، ولا تغير تحالفا وتفاسخا؛ لأن ثبوت السلم فرع ثبوت الثمن، فإن تغير سوقه أو بدنه صدق البائع؛ لأنه بالتغيير صار ديناً عليه فهو غارم. فرع: قال: إذا قال: أسلمت هذا الثوب في إردب، وقال الآخر: بل هذين الثوبين لثوبين غيرهما، وشهدت البينة بالجميع، أخذ الثوبين في إردبين؛ لأنهما صفقتان، ولو قال: بل هذا العبد مع الثوب قضى بالبينة الزائدة ويلزمه إردب بهما، ولو قال: العبد والثوب في شعير وشهدت بذلك البينة، وشهدت بينة الآخر بالثوب في قمح قضى بأعدلهما؛ لأنه تعارض، فإن تكافأتا تحالفا وتفاسخا (لاختلافهما في الجنس). ، قال صاحب التنبيهات: قال ابن عبدوس: مسألة الثوب في إردب والثوبين في إردب ذلك إذا كانا في مجلسين وإلا فهو تكاذب، وجوز غيره اتحاد المجلس، قال سند: إذا تقاررا على اتحاد العقد فالعبد للمبتاع ببينة، وإن كان الثوب بيد المبتاع فلا يأخذه البائع؛ لأنه ملك المبتاع، وإن كان بيد البائع لم يجبر المبتاع على أخذه لأنه كذب البينة والبائع فيه، وهو لا يدعيه، وحيث يتحالفان يحلف كل واحد منهما على إثبات دعواه ونفي دعوى خصمه. القسم السابع: الاختلاف في قبض الثمن، ففي الجواهر: الأصل عدم القبض في الثمن والمثمن؛ حتى يثبت الانتقال إما بالبينة أو بعادة مستقرة كاللحم ونحوه مما يشتري من أصحاب الحوانيت، فإذا قبضه المشتري وبان به صدق في دفع الثمن وفي تصديقه إذا قيض، ولم يبين خلاف، سببه: شهادة العوائد، وفي الكتاب: إذا اختلفا في دفع الثمن بعد قبض المبيع والغيبة عليه: صدق البائع مع يمينه، إلا فيما يباع بالنقد كالصرف والخضر والحنطة فيصدق المشتري؛ لأنه العادة. قال سند: لو كان عرف فاسد في تأخير ثمن الصرف يخرج على الخلاف في دعوى الفساد والصحة أن كانا مسلمين، ويرجع في الرهنين إلى العادة. فرع: فإن كان بين المتبايعين مكتوب لا يصدق على الدفع إلا ببينة؛ لأن العادة أن المشهود به لا يدفع إلا ببينة. فرع: قال سند: إذا اختلفا في قبض (المبيع قبل قبض) الثمن صدق (المبتاع مع يمينه؛ لأن الأصل عدم القبض، أو بعد القبض للثمن صدق) من شهدت له العادة مع يمينه، وإلا صدق المبتاع؛ لأن الأصل عدم القبض، فإن أشهد المبتاع على نفسه بالثمن: قال ابن القاسم: لا يضدق؛ لأن الإشهاد يتضمن قبض المبيع، وقال ابن عبد الحكم: الإشهاد بالثمن لا يتضمن قبض المبيع. فرع: قال: إذا أشهد على إقرار البائع أنه قبض الثمن فقال: أشهدت لك ولم توفني: قال مالك: لا يمين على المبتاع حتى يأتي بسبب يدل على دعواه. فرع: قال اللخمي: إذا كانت العادة أن الدنانير وازنة (يحسن). وقال البائع: لم أعلم العادة، فإن كان من أهل البلد لم يصدق. أو طارئاً صَدق، أو شُك فيه أُحلف: أنه لا يعلم ذلك، وخُير المشتري بين القبول على الوازنة أو يرد، وكذلك إذا كانت العادة للقنطار عشرة أرطال، أو مختلف الوزن. القسم الثامن: الاختلاف في صفة البيع، ففي الكتاب: إذا قال: شرطت نخلات يختارها بغير عينها. وقال المبتاع: بل شرطت اختيارها بعينها تحالفا وتفاسخا؛ لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر. القسم التاسع: الاختلاف في مقدار المبيع، قال سند: جوز في الكتاب: السلم بذراع رجل معين، فإن مات قبل أن يأخذ قياسه، واختلفا فيه فهو كما إذا اختلفا في مقدار السلم، ولو أسلم على عدد من غير تعيين، ولم يكن ثم ذراع معلوم قضى بالوسط، وإن قال البائع: بذراعي، وقال المشتري: بل بذراعي؛ قضي بالوسط، قال أصبغ: القياس: الفسخ لعدم الانضباط، وجوابه: أن أهل العرف لا يعدون إطلاق الذراع غرراً، بل يعتمد على الوسط. فرع: في الكتاب: إذا اختلفا في العدد أو الوزن أو الصفة: صُدق البائع مع يمينه إن ادعى ما يشبه؛ لأن الأصل عدم انتقال ملكه في الزائد، وإلا فالمشتري فيما يشبه؛ لأن البائع يدعي عليه شغل ذمته بغير ما اعترف به، والأصل: براءتها، فإن اختلفا في النوع كالفرس والحمار، أو الشعير والبُر؛ تحالفا وتفاسخا لعدم اتفاقهما على ما ينضبط، وليس أحدهما أولى من الآخر، قال صاحب التنبيهات: قوله: فيما يشبه؛ إنما هو فيما فات عند ابن القاسم؛ لقوله - عليه السلام - في الموطأ: (إذا اختلف المُتبايعان؛ فالقول ما يقول رب السلعة). قال سند: إذا اختلفا في المقدار دون الجنس والصفة في السلم قبل افتراقهما عند العقد، ولم يقبض البائع الثمن تحالفا وتفاسخا؛ لأن البائع يدعي الثمن، والمبتاع يدعي المقدار، فكلاهما مدعٍ، وعن مالك: إذا قبض الثمن وقرب قبضه تحالفا وتفاسخا، وإن تباعدا صُدق المسلَم إلي مع يمينه فيما يشبه، فراعى زماناً يذهب فيه الثمن، وألحق التونسي الطول بالقصر؛ لأن نقص الدراهم فوت، قال أبو الطاهر: إذا كان رأس المال عيناً واختلفا في المقدار فهل يُصدق المسلم إليه إذا قبض المثمن، أو غاب عليه، أو بعد أن يطول طولاً، أو بعد الطول الكثير؟ ثلاثة أقوال، وإن اختلفا في المقدار وأتيا بما لا يشبه، والثمن عرض ونحوه تحالفا وتفاسخا، أو عيناً فقولان: الرجوع إلى الوسط من سلم الناس؛ لأنه معتاد في العين بخلاف العرض، ويتحالفان ويتفاسخان قياساً على العروض، وهل يكون الفوات بحوالة الأسواق أو التغير في العين أم لا؟ قولان قياساً على البيع الفاسد، أو يلاحظ صحة العقد هاهنا. القسم العاشر: الاختلاف في المكان، ففي الكتاب: إذا اختلفا في مكان قبض المسلم، صُدق مدعي موضع العقد مع يمينه إن ادعى؛ لأنه العادة، وإلا صُدق البائع؛ لأن المواضع كالآجال، فإن أتيا بما لا يشبه تحالفا وتفاسخا لاستوائهما. القسم الحادي عشر: الاختلاف في دعوى الخيار والبت، ففي الجواهر: قال ابن القاسم: يصدق مدعى البت لأنه الأصل في العقود، وعن أشهب: مدعي الخيار؛ لأن الأصل عدم انتقال الملك، وبنى المتأخرون هذا الخلاف على تبعيض الدعوى. تنبيه: قال صاحب الجواهر: تقسيم الاختلاف إلى هذه الأقسام هو طريق المتأخرين، أما غيرهم: فقال القاضي أبو الحسن: إذا اختلفا في مقدار الثمن أو المثمن أو التأجيل أو النقد أو الخيار فقال: لي، وقال الآخر: بل لي، أو اشترط الرهن أو الحميل ففي ذلك كله ثلاث روايات، وحكى الروايات المتقدمة في اختلاف الثمن إلا رواية البينونة مع القبض، ووافقه الأستاذ أبو بكر، وجعلا هذه الأقسام واحدة. قواعد: يقع التعارض بين الدليلين والبينتين والأصلين والظاهرين، والأصل والظاهر، ويختلف العلماء في جميع ذلك بالترجيح والتسوية فالدليلان: كقوله تعالى: (إلا ما ملكت أيمانكم). يتناول الجمع بين الأختين في الملك، وقوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأُختين) يقتضي المنع، والبنتان ظاهر. والأصلان: نحو العبد الآبق هل تجب زكاة فطره أولا؟ لأن الأصل حيازته، ولأن الأصل براءة الذمة، والظاهر: أن كان اختلاف الزوجين في متاع البيت، ولكل واحد منهما يد ظاهرة في الملك، وكشهادة عدلين على رؤية الهلال في الصحو، فالظاهر: صدقُهما للعدالة (والظاهر: كذبهما لعدم رؤية أهل المصر له) والأصل والظاهر، كالمقبرة القديمة، الظاهر تنجيسها فتحرم الصلاة فيها للنجاسة، والأصل: عدم النجاسة، وكاختلاف الزوجين في النفقة والكسوة، وقد تقدم بسط هذه القواعد في مقدمة الكتاب، وعليها يتخرج اختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في جنس المثمن تعارض أصلان، وإن أتيا بما لا يشبه تعارض ظاهران: دعوى الخيار والبث، تعارض أصل وظاهر، وترد الفروع في الاختلاف على هذه القواعد. قاعدة: في ضبط المدعي والمدعى عليه حتى يتعين المدعى عليه فيصدق مع يمينه، والمدعي فلا يصدق إلا ببينة؛ لقوله - عليه السلام - في الموطأ: (لو أُعطي الناس بدعواهم لادعى قومٌ على قوم دماءهم وأموالهم، لكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر)، وليس المدعي هو المطلوب اتفاقاً، بك كل من عضد قوله عرف أو أصل فهو مدعى عليه، وكل من خالف قوله عرف أو أصل فهو مدعٍ، فالمودع يقبض ببينة فلا يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإن ادعى الرد بغيرها فهو مدع، وإن كان مطلوباً منه لا طالباً، وكذلك دعوى الوصي في إنفاق المال على خلاف العرف والأصل، نحو دعاوي الديون والإتلافات، فإن الأصل براءة الذمم، وهذا معنى قول الأصحاب: المدَّعى عليه أقوى المتداعيين سبباً، فعلى هذه القاعدة أيضاً يتعين من يصدق مع يمينه ممن لا يصدق. قال سند: معنى قوله في الكتاب: يصدق البائع بعد أن يتحالفا؛ أي: يبدأ باليمين؛ لأن جانبه أقوى؛ لأن المبيع يعود إليه فهو كصاحب اليد، وعن ابن القاسم: يبدأ المبتاع؛ لأن الثمن من جهته وهو في جانب الثمن أقوى، ولاعتراف البائع بالعقد الناقل للملك، وقيل: يتقارعان لأنهما سواء، وكلاهما يحامي عما تقرر ملكه عليه من الثمن والمثمن، فالبائع يقول: لا أخرج السلعة إلا بكذا، والمشتري يقول: لا أخرج الثمن، قال: ولو قيل: يقدم المبتاع في القرب في اختلافهما في جنس الثمن لأنه غارم لكان حسناً، وقاله (ح)، ومنع قيامها قول البائع؛ لأن المبتاع يدعي عليه استحقاق سلعة بما لم يرضه، والأصل بقاء ملكه، وفي الجواهر في تقدم البائع: هل هو أولى أو واجب؟ خلاف ينبني عليه إذا تناكلا فعلى الأول يثبت الفسخ كما إذا تحالفا، قاله ابن القاسم، وعلى الثاني: يمضي العقد بما قاله البائع، قاله ابن حبيب، وإذا فرعنا على قول ابن القاسم: فهل لأحدهما الإمضاء وإن كره صاحبه؟ قولان، وعلى قول ابن حبيب: هل على المانع يمين؟ قولان، وبالأول قال القاضي أبو الوليد، وعلى الثاني أكثر الأشياخ، قال سند: إذا نكلا يتخرج فيه قول بالرد إلى الوسط كما قيل: إذا أتيا بالأشبه، وهاهنا لم يأتيا بحجة. فرع: قال: إذا حلف أحدهما يميناً، واحدة على النفي والإثبات، فيحلف البائع: ما باع إلا كذا، والمبتاع ما ابتاع إلا كذا، فتثبت دعواه، وتبطل دعوى خصمه بصيغة الحصر؛ لأن المتنازع فيه واحد فيكتفي بيمين واحدة كيمين الزوج في اللعان ينفي عنه، ويثبت الحد على المرأة، وقاله الشافعية، وقالوا أيضاً، يمينين. يبدأ بالنفي ثم بالأثبات؛ لأن يمين الإثبات لا تكون إلا بعد النكول، ويبدأ عندنا بالنفي كما تقدم، وقاله معظم الشافعية، وقيل بالإثبات؛ لأنه مقدم على النفي في آية اللعان، فيقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وجوابه: أن الأصل الأيمان النفي فيقدم، وإن كان من الكاذبين، إثباتاً للصدق، وفي الجواهر: هذا كالحلف باليمين على بطلان دعوى خصمه، وهل يقتصر على حده؛ لأن موضوع اليمين الدفع، أو يضم إلأى ذلك تحقيق دعواه؛ لأن أحد الأصلين يتضمن الآخر؛ لأنه على تقدير نكول خصمه يحتاج إلى يمين أخرى فله الجمع في يمين واحدة يخيره اللخمي في ذلك. فرع: قال: وظاهر الكتاب عدم الفسخ بمجرد التحالف؛ لقوله: إلا أن يرضي المبتاع قبل بت الحكم، وقاله (ش) و(ح)؛ لأن العقد وقع صحيحاً فلا يفسخ إلا بحكم الحاكم، وقال سحنون: ينفسخ بالتحالف؛ لأنه تحقق الجهالة في الثمن، والصحة لا تثبت معها، وجوابه: ما وقع الثمن إلا صحيحاً، لكن خفي ذلك على الحاكم، وإنما يبطل العقد بالجهالة في نفس العقد في نفس الأمر، وقيل: أن ترافعا للحاكم تعين الحكم وإلا كفى التحالف، فإن تراضيا على الفسخ من غير حكم صحة، فإنهما تقايلا، وكذلك إن تراضيا بقول أحدهما بعد التحالف، وكأنه بيع ثان على قول سحنون، فإن رضي أحدهما بعد التحالف بما قال الآخر: ففي الكتاب إلا أن يشاء المبتاع بقول البائع، وقال ابن عبد الحكم: للبائع إلزامهما بما قال المشتري وله الفسخ، فجعل الباجي هذا وغيره اختلافاً في أيهما له الإمضاء بقول الآخر، وجعله اللخمي وغيره اتفاقاً؛ لأن البيع قائم بينهما، فمن شاء أمضاه قبل الفسخ، وقاله الشافعية، فإن يمينهما كالبينتين، ولو أقاما بينتين فلكليهما الإمضاء، ووجه ظاهر الكتاب قوله - عليه السلام - في الحديث، والخيار للمبتاع بعد قول البائع. فرع: قال سند: إذا فسخ الحاكم العقد بينها انفسخ الإعلان باطناً كما لو تقايلا، وظاهراً فقط في حق المظلوم، وله إقامة البينة بعد ذلك؛ لأن الأصل صحة العقد، ولم يرض بانتهاكه. وفي الجواهر: هل ينفذ الفسخ ظاهراً أو باطناً، أو ظاهراً لا باطناً خلاف. وفائدته: هل البيع والوطء على الأول دون الثاني؟ ولم يحك تفصيلاً بين الظالم والمظلوم، ثم قال: وليس له أخذها عوضاً مما له عليه من الثمن إذ لا بد من المنع ذلك. فرع: قال سند: إذا فسح الحاكم ثم اعترف أحدهما بصدق الآخر ليس له مطالبته لأنه طلب الفسخ ورضي به، وإذا لم يفترقا والبائع ظالم حرم عليه التصرف في المبيع، ويرده إلى المبتاع بالثمن الحق، وإن كان المبتاع ظالماً فقد ظفر البائع بغير جنس حقه، فله بيعه باستيفاء حقه من الثمن، فإن نقص شيء كان في ذمة المبتاع أو زاد رده، وقال (ش): للبائع حبسه؛ لأن المبتاع رضي بتركه له بالثمن الذي عليه، وأما القضاء بنكول أحدهما في اختلافهما في كثرة الثمن؛ لأن من قضي له يقول: أخذت حقي، وإن كان اختلافهما في المبيع وقضي على البائع حل له الثمن؛ لأن المبتاع بذله فيما أخذه برضاه؛ أو على المبتاع حل له المبيع عند أشهب؛ لأن البائع رضي بتركه له، وقيل: ببيعه ويشتري بثمنه ما ادعاه؛ لأنه يعتقد أنه غير المبيع، فإن زاد عنه وقفت الزيادة، قال: وينبغي على هذا أن تعرض الزيادة على البائع، قال التونسي: لو قال المبتاع: شعيراً، وقال البائع: عدساً لم يجز له أخذ العدس؛ لأنه بيع للطعام قبل قبضه، لكن يباع فيشتري بثمنه شعيراً، فإن فضل شيء وقف أن ادعاه البائع أخذه، وإلا تصدق به عمن هو له. فرع: قال اللخمي: إذا حبس المبيع بالثمن: فعلى القول بأن المصيبة من البائع يشرع التحالف وإن تغير سوقه فإن حدث عيب رده من غير يمين إلا أن يرضى المشتري بالعيب فيقع التحالف كما تقدم، وعلى القول إن المصيبة من المشتري يرد ما تقدم من الثمن على ما أقر به. فرع: في الكتاب: روثة المتبايعين بعد موتهما مكانهما أن ادعوا معرفة الثمن، فإن تجاهلوا الثمن وتصادقوا البيع حلف ورثة المبتاع: لا يعلمون الثمن، ثم ورثة البائع: لا يعلمونه، وترد السلعة، فإن فاتت بحوالة سوق أو تغير بدن لزمت ورثة المبتاع قيمتها في ماله، وإن ادعى ورثة أحدهما علم الثمن وجهله الآخرون: صدق المدعي فيا يشبه، قال ابن يونس: جهل الثمن منها كالفوت، وكذلك إذا جهل المتبايعان الثمن. قاعدة: الحقوق قسمان: ما لا ينتقل بالموت كالنكاح، والتمليك، والتخيير، والوكالة، وما ينتقل كالشفعة، والرد بالعيب، والرهن، وضابط البابين: أن المنتقل الأموال وحقوقها (لأنهم يؤدون الأموال ويرثون ما يتبعها، والخاصة بيديه، وأرى أنه لا تنتقل)؛ لأنهم لا يرثون بدنه ولا عقله. فائدة: القاعدة ورثوا الخالف في البيع لأنه من حقوق المال. وفي الصحاح: هو اسم لا مصدر، يذكّر ويؤنث، والمصدر: الصلاح ضد الفساد، والمصالحة أيضاً، وقد اصطلحا وتصالحا وأصَّالحا مشدد الصاد، وصلح الشيء يصلح صلوحاً، مثل دخل دُخولاً، وصلح أيضاً بضم اللام، وصلاح بمثل فطام: اسم مكة، والصلاح والإصلاح ضد الفسد والإفساد، وأصله في الشرع: قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)، (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). وفي البخاري: (أن كعب بن مالك كان له على عبد الله بن أبي حدرد دين فلزمه فيه حتى ارتفعت أصواتهما، فأمر النبي - عليه السلام - أن يضع الشطر ففعل) (وأتت امرأة ثابت ابن شماس النبي – صلى الله عليه وسلم - تسأله في فراق زوجها على أن ترد ما أخذت فأصلح - عليه السلام - بينهما على ذلك، وأخذ الصداق، وأوقع الطلاق). فالآية والأحاديث تجوز الصلح في الدماء والفروج والأموال، ولأن أحد المتنازعين على منكر، وإزالة المنكر واجبة إجماعاً. تمهيد: قال اللخمي: أن تعيين الحق على أحدهما كان الحكم عليه لتعيّن الحق وهو المقصود، وإن أشلك حملهما على الصلح إن قدر على ذلك، وإلا وعظهما لقول عمر - رضي الله عنه - لأبي موسى الأشعري: (واجتهد في الصلح ما لم يتبين لك وجه القضاء)، وهو ينقسم إلى الصلح في الدماء والصلح في الأموال ونحوهما. القسم الأول: في الصلح على الدماء فرع: في الكتاب: إذا ادعيت الصلح على دم عمد، أو جراح قصاص على ما قال، فأنكر الصلح، امتنع القصاص لإقرارك وصدق مع يمينه؛ لأن الأصل: عدم الصلح، قال سحنون: ما أعرف اليمني فيه، قال ابن يونس: لو ادعى القاتل أو الجارح على الولي العفو على مال أم لا، ألزمه ابن القاسم اليمين ولم يلزمه أشهب، كدعوى المرأة الطلاق، والفرق: أن المرأة لو مكنت من ذلك لتكررت دعواها على زوجها فيتضرر، بخلاف الدم لا يتكرر. فرع: في الكتاب: إذا صالح قاتل الخطأ بمال منجم فدفع نجماً ثم قال: ظننت أن الدية تلزمني، فذلك له وتوضع، ويرد ما أخذ منه إن كان يجهل ذلك؛ لأن العاقلة هي الأصل في حمل الدية، قال ابن يونس: قال جماعة: عليه اليمين، وإن كان المدفوع قائما أخذه، وإن فات وهو الطلب للصلح فلا شيء له، كمن عوض من صدقة وقال: ظننت ذلك يلزمني، وإن كان مطلوباً بالصلح رجع بالقيمة، أو المثل في المثلي. فرع: في الكتاب: لو أقر بقتل الخطأ بلا بينة فصالح على مال قبل لزوم الدية للعاقلة بالقسامة وظن لزوم ذلك جاز؛ لأن دفع مثل هذا ليس عوضاً للعقلاء، مع أن مالكاً اختلف قوله في الإقرار بقتل الخطأ هل الدية في ماله أو على العاقلة بالقسامة؟ وهي رواية ابن القاسم وأشهب، قال صاحب التنبيهات: وهل له الرجوع؟ قال ابن محرز: يلزمه ما دفع دون ما لم يدفع، والفرق بين المصالح على دم الخطأ بالبينة يرجع كما تقدم، وبين هذا: الاتفاق هناك على أن الدية على العاقلة. والخلاف هاهنا كما فرق في البيع والنكاح بين المتفق عليه والمختلف فيه، ولو كان عالماً في المسألتين ففيها يمضى الصلحان قبل ذلك أم لا؛ لأنه قصد الحمل من عاقلته، وينظر فيما دفع من ذلك إن كان لا يجوز له بيع ما على العاقلة أم لا. قال ابن يونس في كتاب الديات: إذا أقر بالقتل خطأ لمن يتهم في إغناء ولده كالأخ والصديق لم يصدق. فرع: في الكتاب: الصلح في قتل العمد، والجراحة مع المجروح أو أوليائه بعد موته لازم، كان أكثر من الدية أو أقل؛ لأن دم العمد لا دية فيه، وفي النوادر: قال ابن القاسم: إذا قتل رجل رجلين عمداً وثبت ذلك فصالح أولياء أحدهما على الدية فللآخرين القود، فإن استقاد وإلا رجع المال إلى ورثته. فرع: قال في الكتاب: تجوز مصالحة المريض على جراحة العمد على أقل من الدية وأرش الجراحة، ويلزم بعد موته؛ إذ للمقتول عمداً العفو في مرضه، قال صاحب التنبيهات عن ابن القاسم: لا يصالح على الجراح والموت إن كان، لكن يصالح بشيء معلوم لا يدفع، فإن عاش أخذه، وإلا فالقسامة والدية في الخطأ، والقتل العمد؛ لأن المصالحة على الموت خطأ، وعنه: يمتنع الصلح إلا بعد البرء خشية السريان إلى النفس، والقولان في الجراح، وفي الكتاب: إذا صالح من دم عمد أو جراح عمد يخاف منها الموت على مال وثبت الصلح ثم أسقطه: امتنع إذا أحاط الدين بماله وإن لم يكن عليه دين فمن ثلثه. فرع: في الكتاب: إذا صالح قاتل العمد أحد الوليين على عوض أو عرض فللآخر مشاركته لاشتراكهما في المصالح عليه، وقال غيره: إن صالح من حصته على أكثر من الدية أو على عوض قل أو كثر وليس للآخر على القاتل إلا بحساب الدية، ولا يدخل على الآخر؛ لأن دم العمد ليس بمال، بل كعبد باع أحدهما نصيبه بما شاء، قال ابن يونس: الفرض هاهنا العين، والفرق عند ابن القاسم بين العبد وهذا: أن العبد لم تتعين فيه حصة الشريك، وهاهنا تعين بسبب الانتقال من القتل إلى المال بالمصالحة. فرع: في الكتاب: إذا عفا أحد الابنين على الدية فالتزمها على جميع الدم ولهما أخت: قال أشهب: لها خمس المأخوذ؛ لأنه حصتها في الإرث، ولو صالح على حصته فقط فللأخ الذي لم يصالح وللأخت على القاتل ثلاثة أخماس الدية، يضم إلى المصالح به ويقسم الجميع كما تقدم إن كان صالح على حصته بخمسي الدية، وإلا فليس له غيره، ويختص الآخران بثلاثة أخماس الدية؛ لأنه التزم الخمس فيختص به، ولو صالح على الدم كله بأعقل من الدية فله الخمسان من ذلك، ويسقط ما بقي عن القاتل، وللآخرين ثلاثة أخماس الدية في مال القاتل؛ لأن نجمه لا يصل إليهما والمأخوذ في صلح دم العمد للزوجة وجملة الورثة على فرائض الله تعالى؛ لأنه مال من مال جهة موروثهم، قال ابن يونس: وإذا قلنا برجوع الأخ والأخت على القاتل فوجد عديماً، قيل: يشارك المصالح في المأخوذ حتى يؤخذ من القاتل فيرد عله، ويقضي دين الميت من ديته؛ لأنه بدل عن نفسه كماله، فإن كان دينه مائة ولم يترك مالاً وترك آخرين فعفا أحدهما بغير شيء جاز من نصيبه، ويرجع الآخر على القاتل بأربعمائة، والقاتل بمائة؛ لأن المعفو عنه سقط، فلوترك مائة أخذ الدين منها ومن الخمسمائة بالحصص عدلاً بين صاحب الدين وبين الورثة، وكذلك لو ترك مدبراً قيمة مائة: عتق من جملة الستمائة بالحصص وورثا بقية المال، وأخذ الذي لم يعف بقية الحصص بمائة، هذا على مذهب عبد الملك الذي يرى بدخوله فيما علم وما لم يعلم، فإن عجز عن ذلك تمَّ من ماله ما لم يعلم به، فيعتق ثلث المدبر في المائة المعلومة، وتورث البقية، ويعتق ثلثاه في الخمسمائة ويأخذ غير العافي بقيتها، قال: وفيه نظر، بل ينبغي أن يعتق بالمائة المعلومة ثلثاه؛ لأنه كأنه ترك المدبر قيمتة مائة ومائة فيعتق ثلثا المدبر، وهو ما يحمله الثلث ويعتق الباقي من الخمسمائة، ويورث ثلث المائة المتروكة عيناً. قاعدة: هذه الفروع يحتاج فيها إلى قاعدة التقدير، وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم، والمعدوم حكم الموجود؛ فمن الأول: النجاسات المستثنيات، والغرر، والجهالات المغتفرات في البياعات يقدر وجودها كعدمها، ومن الثاني: إذا اعتق عبده عن الغير في كفارته، فإن التكفير والولاء يحصلان للمعتق عنه، وذلك فرعملكه للعبد، يقدر ملكه للعبد قبل العتق بالزمن الفرد، وكذلك الديات وأموال الدماء في المصالحات يقدر غرمها قبل زهوق الروح تثبت على ملكه حتى تورث عنه، وإلا فما لا يملكه الموروث كيف يورث عنه؟. فرع: في الكتاب: إذا قطع جماعة يد رجل عمداً أو جرحوه عمداً فله صلح أحدهم، وكذلك الأولياء في النفس؛ لأن كل واحد يجب عليه قصاص يخصه. فرع: في الكتاب: إذا صالح على قطع يده عمداً ثم بريء، ومات: فلأوليائه القسامة والقتل ورد المصالح به، وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم القسامة والدية من العاقلة، ويرجع الجاني في ماله، لو نكل الأولياء في الأولى فقال الجاني: قد عادت الجناية نفساً فاقتلوني وردوا المال امتنع؛ لأن النفوس لا تباح إلا بسبب شرعي، ولا يكفي فيها رضاه، ولو لم يكن صالح فقال لهم ذلك، وأراد الأولياء قطع اليد ولا يقسمون: فذلك لهم؛ لثبوتها بغير قسامة، ولهم القسامة والقتل. قاعدة: الحقوق ثلاثة أقسام: حق لله فقط، وهو ما لا يتمكن العبد من إسقاطه، وحق للعبد، وهو ما يتمكن من إسقاطه، وحق مختلف فيه؛ هل هو حق لله أو للعبد؟ كحد القذف، وعليه ينبني قبول العفو فيه، وحقوق الله تعالى أوامره ونواهيه، وحقوق العبد مصالحه، وما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمر الله تعالى بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه، ثم حقوق العباد قد يحجر الله تعالى على العبد فيها لنفساستها فتصير حقاً لله؛ كبيع الربا؛ فإن الزيادة من مال المرابي وهو محجور عليه فيها، وكذلك السرف وإفساد النفوس والأعضاء من هذا القبيل. فرع: في الكتاب: يمتنع الصلح في جناية العمد على ثمرة لم يبد صلاحها؛ لأنه غرر فلا يُجعل عوضاً للدماء مع شرفها، فإن وقع ارتفع القصاص وقضي بالدية كالنكاح إذا فات بالبناء يقضى بصداق المثل، وقال غيره: يمضى إذا وقع لقوة شبهه بالخلع؛ لأن كليهما فداء وتخليص من الضرر. فرع: تجوز المصالحة على دم العبد والخلع على عبد، فإن وجد عيباً يرد به في البيع رده، ورجع بقيمة العبد إذ ليس للدماء والأبضاع قيمة يرجع بها. فرع: في الكتاب: لغرماء جاني العبد رد مصالحته إذا أحاط الدين بماله؛ لاستحقاقهم إياه بالدين. سؤال: ضرورات الجسد مقدمة على الغرماء في القوت والكسوة، وهاهنا قدمت الغرماء على بقاء الجسد. جوابه: إنه هاهنا ظالم بالجناية فلا يضر الغرماء بظلمه، وثم معذور فقدم البدن على مال الغير كالضرر بالمجاعة. فرع: في الكتاب: تمتنع المصالحة على أرطال لحم من شاة حية؛ لأنها مجهولة قبل السلخ، قال أشهب: أكرهه، فإن (حبسها وعرفها) وشرع في الذبح، جاز. فرع: في الكتاب: تجوز المصالحة بشقص دار على موضحتين عمداً وخطأ، وفيه الشفعة بدية الخطأ وبنصف قيمة الشقص (لأن العمد لا مالية فيه) . وقال المخزومي: إن كان دية الخطأ - وهي خمسون دينارا ً- ثلث مجموع الخمسين، وقيمة الشقص فليشفع بالخمسين وبثلث قيمة الشقص، وهكذا الجواب فيما فقل من الأجزاء. قال صاحب التنبيهات: قيل في تأويل ابن القاسم في قسمة الشقص عليهما: أن نصف الشقص للخطأ، ونصفه للعمد، كيف كان الجرح أو الجناية، اتفقا أو اختلفا، وقاله ابن عبد الحكم، وقيل: بل يعتبر المجروحون، وإنما يكون نصفين إذا استويا كالموضحتين أو قطع يدين، ويقسم في اليد والنفس مثلاً على قدر دياتهما، وعليه أكثر القرويين، قال عبد الحق: قيل على قول ابن القاسم في موضحتي العمد والخطأ: لا تكون موضحة العمد نصف الشقص، بل يأخذ بخمسي وبثلثي قيمة الشقص، وقيل: إن المجهول كله يجعل له نصف الشقص، كان موضحة عمداً أو أكثر، قال ابن: بل يعتبر المجروحون، وإنما يكون نصفين إذا استويا كالموضحتين أو قطع يدين، ويقسم في اليد والنفس مثلاً على قدر دياتهما، وعليه أكثر القرويين، قال عبد الحق: قيل على قول ابن القاسم في موضحتي العمد والخطأ: لا تكون موضحة العمد نصف الشقص، بل يأخذ بخمسين وبثلثي قيمة الشقص، وقيل: إن المجهول كله يجعل له نصف الشقص، كان موضحة عمداً أو أكثر، قال ابن يونس عن ابن نافع: يأخذ بقيمة الشقص إلا أن يكون أقل من خمسين دية الخطأ فلا ينقص لأنها محققة للمشتري، فإن كانت قيمته أزيد فالزائد للعمد المجهول، ومستند المخزومي: أن الصلح لو وقع على موضحة العمد فقط كان الاخذ بقيمة الشقص، فصارت قيمة الشقص كأنها دية موضحة عمد، ولو دفعه في موضحة خطأ كانت الشفعة بخمسين: فلما دفعه عنهما اعتبر المجموع، كمن أوصى بمعلوم ومجهول يتخاصان في الثلث المعلوم بقدره وللمجهول بالثلث، قال يحيى ابن عمر: على أصل ابن القاسم لو صالحه بعشرة دنانير والشقص عنها بالعشرة من الخطأ يبقى منها أربعون فيأخذه بأربعين وبخمسة أرباع قيمة الشقص، وإن صالح منها على شقص وعرض قُسمت عليهما، قال أبو محمد: لو قيل: يجري قول ابن القاسم أن يقسم الجميع عليهما فيكون لكل موضحة نصف الشقص وخمسة دنانير فيأخذ نصفه بخمسة وأربعين بقيمة دية الخطأ، ونصف الآخر بنصف قيمة الشقص عن العمد؛ لأنه أخذ من العمد خمسة ونصف الشقص، وقيمته مجهولة، فيأخذ هذا النصف الآخر بنصف قيمة الشقص، كان صواباً وعلى قول يحيى: لو دفع مع الشقص خمسين كان قد استوفى موضحة الخطأ، وتعين الشقص للعمد فيأخذه بقيمته أو أكثر من خمسين أخذه بقيمته أيضاً؛ لأن الزائد للعمد، فإن صالح عليهما بشقص وعبد قيمتهما سواء، فالعبد موزع عليها بنصف دية الخطأ وبنصف قيمة الشقص؛ لأنه دفع الشقص على ثلاثة أرباع دية الخطأ، وثلاثة أرباع دية العمد. ولو كان المجروح دافع العبد وهما خطأ أخذ الشقص بديتهما وقيمة العبد، أو عمداً اجتهد في ذلك، فإن كان العبد ثلث ذلك أخذ بقيمة العبد وثلثي قيمة الشقص، وعلى هذا إن كان أقل أو أكثر، وعلى قول المخزومي: تحلم قيمة العبد على قيمة الشقص، فإن كانت قيمة العبد من الجميع الثلث أخذ بقيمة العبد وبثلثي قيمة الشقص، ثم يعمل على هذا. وعلى ابن نافع: يأخذ بقيمة الشقص ما لم تنقص عن قيمة العبد، وإن كانت إحدهما عمداً، والأخرى خطأ: فعلى قول المخزومي: عمل دية الخطأ وقيمة الشقص، ويعمل على ما تقدم، وعلى قول ابن نافع: يأخذ بقيمة الشقص ما لم ينقص عن خُمسي دية الخطأ وعن قيمة العبد. القسم الثاني: الصلح على الأموال ونحوها تمهيد: الصلح فيها دائر بين خمسة أمور: البيع، إن كانت المعوضة فيه عن أعيان، والصرف، إن كان أحد النقدين عن الآخر، والإجارة، إن كانت عن منافع، ودفع الخصومة، إن لم يتعين شيء من ذلك، والإحسان، وهو ما يعطيه المصالح من غير الجاني، فمتى تعين أحد هذه الأبواب وروعيت فيه شروطه؛ لقوله - عليه السلام -: (الصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صُلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً). فرع: في الكتاب: تجوز المصالحة على عدم رد العبد القائم المعيب، ورد بعض الثمن؛ لأن العبد يبقى بباقيه، ويجوز تأخير بقية الثمن بغير شرط، وإلا امتنع لأنه بيع وسلف، فإن صالحك على دفع دراهم إلى أجل والثمن دنانير امتنع؛ لأنه عبد نقد ودراهم مؤجلة بدنانير معجلة، فهو صرف مستأخر، ويجوز على دراهم نقداً إن كانت أقل صرف دينار؛ لأنه صرف وبيع يجوز في مثل هذا فقط، وجوزه أشهب في أكثر، فإن فات العبد جاز بالنقدين والعروض نقداً بعد معرفتكما بقيمة العيب؛ لتقرر البيع في الهالك، وعلى دنانير مؤجلة مثل حصة العيب من الثمن أو أقل وإلا امتنع؛ لأنه تأخير بزيادة، وعلى دراهم أو عرض مؤجلة، والثمن دنانير، يمتنع؛ لأنه فسخ حصة العيب في ذلك، قال صاحب التنبيهات: وعن مالك: الجواز بالعروض والنقد وإن جهلا قيمة العيب؛ لأن المصالحة على المجهول جائزة، ويجوز - إذا علما - بدنانير من غير سكة الثمن؛ لأنه مبادلة، وتجويز أشهب في أكثر من صرف دينار، هو على تجويزه الصرف والبيع، وهذا الصلح لدفع الخصومة لا معاوضة محققة، وقيل: هذا الخلاف ما لم يقل: رددت، وإلا امتنع على قولهما لتحقق المعاوضة. قال صاحب النكت: تجويزه في أول المسألة الصلح على رد البعض، محمول على أن المردود من سكة الثمن، وإلا امتنع لأنه عرض وذهب بذهب، قال: وينبغي إذا منعنا التأجيل بشرط فأسقط الأقل قبل اقترافهما جاز، ويمتنع بعد هذا الافتراق؛ لأن المؤجل كسلف غيب عليه، والسلف إذا غيب لم يُفد إسقاطه؛ لأن الربا قد تمَّ، قال ابن يونس: ويجوز على العرض نقداً نقدت الدنانير أم لا، وإلى أجل، وإن لم ينقده . ولا يؤخره إلا مثل ما يؤخر ثمن السلَم، وإن نقدت الدنانير امتنع؛ لأن وجود العيب يوجب الرد، ويصير الثمن ديناً فهو دين بدين، قال أصبغ: إن لم يقبض الثمن حتى فات العيب: جاز إسقاط أي شيء اتفقا عليه من الثمن، عُلم العيب أم لا، قال: والصواب: المنع إذا جهلت القيمة؛ لأنه بيع فيه غرر، فإن علمت جاز؛ لأن الأقل مسامحة. والأكثر منه والمساوي حق، ويجوز دفع دراهم على أن يرد له الدنانير بعد معرفة قيمة البيع، قلت الدراهم أو كثرت؛ لأنه صرف ما في الذمة، وإن جهلت القيمة امتنع للغرر، قال اللخمي: إذا هلكت وجهلت قيمة العيب جاز على ما يرى أنه أقل بكثير أو أكثر بكثير للخروج عن حيز المكايسة. وعلى غير المسكة يمتنع لذريعة الفساد، إلا أن يكون أقل أو أدنى سكة أو أجود مثل الوزن إذا كثر، بخلاف الأدنى سكة والأكثر وزناً أو أجود أو أدنى وزناً لظهور سبب المكايسة، وعلى دنانير، والثمن دنانير قبل معرفة العيب واستواء السكة والوزن، أو المؤخر أدنى سكة أو وزناً؛ لأنه معروف بتأخير الأدنى أو أجود، امتنع، استوى الوزن أم لا؛ لأن التأخير للجودة. فرع: قال ابن يونس: يمتنع في الصلح ما يمتنع في البيع كمصالحة منكر المال على سكنى أو خدمة؛ لأنه فسخ دين في دين، أو قمح من شعير مؤجل لأنه نسأ في الطعام، فإن فات فالقيمة أو المثل كالبيع، وينفذ إن وقع بالمكروه، ولو أدرك بحدثانه قاله مطرف، قال عبد الملك: يفسخ بالحدثان وينفذ مع الطول، ونفذ أصبغ الحرام ولو بالحدثان لأنه كالهبة، وكذلك لو صاغ بشقص لا شفعة فيه كالهبة، وهذا في ظاهر الحكم، وبينه وبين الله تعالى يحرم ما يحرم في البيع، وقال غير أصبغ: في الشقص الشفعة. فرع: قال صاحب التنبيهات: الصلح معاوضة على دعوى، ويجوز على الإقرار والإنكار والسكوت، وقيل: يمتنع في الإنكار. فأما الإقرار وحده أو الإقرار والإنكار، كمن اعترف ببعض الحق وكالبيع في جميع أحواله، وأما الإنكار المحض فأصل ملك: اعتبار ثلاثة أشياء: ما يجوز على دعوى المدعي ومع إنكار المنكر، وعلى ظاهر الحكم فيما اصطلحا، وأصل ابن القاسم: اعتبار الصلح في حق كل واحد منهما على انفراده، ولا عبرة بما يوجبه الحكم، والسكوت كالإقرار عندهما، فإن توقع الفساد في حق أحدهما كمن يدعي عشرة دراهم فينكره فيصالحه بمائة إلى أجل: ففي حق الطالب يمتنع، والمطلوب يقول: افتديت بالمائة من اليمين، فيفسخه مالك وأصحابه؛ لتضمنه الفساد من حيث الجملة، ويمضيه أصبغ؛ لأن الحرام في العقود لا بد من الشركة فيه. فرع: في الكتاب: طوق ذهب بألف درهم محمدية نقداً يصالح على عيبه بدنانير نقداً، أو مائة درهم محمدية من سكة الثمن نقداً يجوز، كان البي، وقع بما دون المدفوع، ويمتنع إلى أجل لأنه بيع وسلف من المشتري للبائع، ويمتنع على يزيدية، أو تبر وفضة لأنه بيع ذهب وفضة بفضة، قال صاحب التنبيهات: عارض بعضهم الطوق بمسألة الخلخالين في كتاب الصرف لاشتراطه هناك حضور الخلخالين، ولم يشترط ذلك في الطوق، وفرق بأن الدنانير لا تتعين، فكأنه باعه منه بما يترتب له في ذمته حين عقد الصرف من دينار سالم، والطوق الحضور صرف مستأخر كصرف المودوع من المودع والطوق في ضمان مشتريه فتقدير صرفهما الآن كصرف المغصوب أو الدين، قال ابن يونس: جوز أشهب المصالحة على غير سكة الثمن؛ لأن المقصود منع الرد بالعيب لا أصل العقد، وقال سحنون: هي مسألة سوء لا يجوز الصلح فيها بشيء كدينار صرفه فوجده معيباً فإما يرضاه أو يرده؛ لأن الطوق عين مستجدة كالدنيار. فرع: في الكتاب: التركة دنانير ودراهم حاضرة وعروض حاضرة وغائبة، فصالح أحد الورثة الآخر على دراهم من التركة، جاز إن كانت قدر إرثهما من الدراهم بأقل، وإلا امتنع؛ لأنه بيع عروض حاضرة وغائبة، ودنانير بدراهم نقداً، فإن صالح على دنانير ودراهم من غير التركة امتنع، قلَّت أم كثرت؛ لأنه صرف وبيع أو على عروض من غير التركة نقداً جاز بعد معرفتهما بتفاصيل التركة؛ لأنه بيع، فإن كانت التركة كلها حاضرة دراهم ودنانير أو عروض ليس فيها دين ولا غائب؛ جاز على دنانير من التركة إذا كانت الدراهم قليلة لا يلاحظ فيها الصرف فيجتمع الصرف والبيع، وإن ترك دراهم وعروضاً جاز على دنانير من مائة إن كانت الدراهم أقل من صرف دينار، وليس في التركة دين التركة لأنه ذهب وسلعة بذهب، ومتى كان فيها دين من أحد النقدين امتنع بأحدهما من غير التركة نقداً لأنه نسيئة في أحدهما، وإن كان الدين حيواناً أو عروضاً من بيع أو قرض، أو طعام من قرض لا من سلَم جاز من ذلك على أحد النقدين يعجلها من عنده إذا كان الغرماء حضوراً مقرين، ووصف ذلك كله، وإن ترك دنانير حاضرة وعروضاً وديناً من أحد النقدين، أو طعام من سلم جاز على دنانير من التركة نقداً إن كان قدر ميراث الأخذ من الدنانير فأقل، وإلا امتنع لأنه أخذ غير ما استحق، والأكثر يدخله البيع والصرف، ويمتنع من غير التركة مطلقاً لأنه صرف وبيع، قال صاحب التنبيهات: قوله: إذا كانت دنانير ودراهم وعروضاً بغير دين جاز على دنانير في من الميراث إذا كانت الدراهم قليلة، معناه: أن الذهب المأخوذ أكثر من ميراث الأخذ من الذهب نحو كون الذهب ثمانين، فصالح الولد الزوجة على عشرين، فهاهنا يشترط قلة الدراهم، فلو أعطى عشرة لم يُبال قلّت الدراهم أم لا، كان في التركة دين أم لا؛ لأنها أخذت ما تستحقه من الذهب، ووهبت غيره، وسواء كانت العشرون جملة ذهب التركة أم لا . هذا تأويل ابن أبي زيد وغيره، وفي كتاب محمد: إنما ذلك إذا لم يبق من التركة سوى الذي صولحت عليه، قال ابن يونس: إذا صالحها بعرض لابد أن يكون مخالفاً لعرض الدين، وأجاز أشهب بدنانير قدر حصتها من عين التركة؛ لأنه يأخذ عوضها من التركة، وهو ضعيف؛ لأنه فسخ دين النصيب من الدراهم والدنانير والعروض بدنانير، قال محمد: لو ترك دراهم وعروضاً جاز على دنانير من غير التركة إن كانت حصة الأخذ من الدراهم أقل من صرف دينار، إن لم يكن في التركة دين، قال اللخمي: يجوز على عروض التركة دراهم وعروض إذا لم يكن شيء غائباً؛ لأنه بيع لحصة الأخذ بالقض، وكذلك قريب الغيبة حيث يجوز النقد في الغائب، وإن كان بعيد الغيبة، وقدم ما ينوب الحاضر خاصة، ووقف حصة الغائب، جاز، فإن كان الغائب أقل الصفقة: قيل: يجوز ويقبض جميع العروض، وإن هلك الغائب قبض ما ينوبه من العرض، وقيل: يمتنع؛ لأن الغائب يضمن بالقيمة، فإن كان الغائب جل الصفقة امتنع نقد العرض وما ينوب الحاضر منه؛ لأن الشركة عيب، واستحقاق الجل عيب، فإن ترك ديوناً حالة أو مؤجلة فصولح بغيرها بمثل ما ينوب الآخذ من الديون سافاً، على أنهم إن لم يأخذوا من الغرماء شيئاً رجعوا على الآخذ جاز، وإن كان ليحيلهم على الغرماء امتنع على قول ابن القاسم في الحوالة: إنها بيع، وأجازه أشهب وجعل الحوالة معروفاً. فرع: في الكتاب: تمتنع مصالحة الشريك شريكه بدنانير على (دنانير) ودراهم وفلوس وعروض بينهما لأنه صرف ما في الذمة وبيع، قال صاحب التنبيهات: قيل: معناه: أن الدراهم أكثر من صرف الدنانير، ولو كانت أقل جاز، قال محمد: ليس فيها دنانير سوى ذلك، وتأولها أبو محمد على أنه أخذ من الدنانير أكثر من (حظه، وفيها من الدراهم أكثر من) صرف دينار كمسألة الورثة، وقيل: معناه: أن الدنانير من مال المعطى دون الشركة سواء حينئذ كانت الدراهم قليلة أو كثيرة. فرع: قال ابن يونس: إذا صالح أحد الورثة ثم قدم وارث آخر فالصلح ماض، ويأخذ حقه منهم أجمع، فإن كان السدس أخذ سدس ما بيد كل واحد . قاله ابن القاسم، قال اللخمي: يريد ابن القاسم: يمضي الصلح إذا أجازه القادم وإلا نقض، وأخذت الزوجة ثمنها إن كانت المصالحة، وأخذ القادم ربع الباقي، وعلى قول أشهب: يأخذ القادم ربع ما بيد الزوجة إلا ثُمن ربع، وهو ما ينوبها مما يأخذه منها، ويأخذ من إخوته ربع ما في أيديهم بعد ثمن الزوجة منه، وترجع على الذين صالحوها بتمام ثُمنها إن كانوا معترفين بأنها زوجة، إلا أن أجاز القادم الصلح رجع على إخوته بربع جميع ما في أيديهم إن كان رابعاً، ولا شيء عليها، فإن أنكر مثلهم: فإن ثبت عدم زوجيتها أخذ ربعا كاملاً من يدها (وأيديهم، وهذا إذا قالوا: طلقك، أو نكاحك فاسد، فإن قال: لم تكوني امرأته: انتزع ما في يدها) من نصيبه إلا أن تثبت الزوجية أو يكون سماعاً فاشياً. فرع: قال ابن يونس: قال ابن القاسم: من ترك جارية حاملاً، وامرأة تمتنع مصالحة المرأة؛ لأنها لا تدري ألها الربع أو الثمن إذا وضعت الجارية. فرع: في الكتاب: يجوز الصلح على الإنكار، وقاله (ح)، ومنعه (ش)؛ لأنه أكل المال بالباطل؛ لأنه ليس عن مال لعدم ثبوته، ولا عن اليمين، وإلا لجازت إقامة البينة بعد، ولجاز أخذ العقار بالشفعة؛ لأنه انتقل بغير مال، ولا عن الخصومة، وإلا جاز في النكاح والقذف؛ لأنه عاوض عن ملكه فيمتنع كشراء ماله من وكيله، ولأنها معاوضة فلا تصح مع الجهل كالبيع. والجواب عن الأول: أنه أخذ المال بحق ولا يلزم من عدم ثبوته عدمه، نعم، من علم أنه على باطل حرم عليه، وأما إقامة البينة بعده، قال أبو الوليد: يتخرج على الخلاف فيمن حلف خصمه وله بينة، فله إقامتها عند ابن القاسم من العذر، وعند أشهب مطلقاً، وأما القذف: فلا مدخل للمال فيه، ولا يجوز فيه الصلح مع الإقرار، فكذلك الإنكار، ويلتزم الجواز في النكاح، نقله أبو الوليد عن أصحابنا إذا أنكرت المرأة الزوجية؛ لأن من الناس من يوجب عليها اليمين فتفتدي يمينها وتلتزم الشفعة. وعن الثاني: أن الفرق بأنه مع وكيله متمكن من ماله بخلاف صورة النزاع، يقع الصلح لدرء مفسدة الخصومة. وعن الثالث: أن الضرورة تدعو للجهل هاهنا، قال أبو الوليد: لو ادعي عليه من جهة موروث الصلح فيه مع الجهل، والعجب أن الشافعي - رضي الله عنه - وافقنا أن للمدعي أن يدخل دار المدعي عليه بالليل ويأخذ قدر حقه؛ فكيف يُمنع مع الموافقة من الخصم على الأخذ ثم يتأكد قولنا بقوله تعالى::(وأصلحوا ذات بينكم) وغيره من الكتاب والسنة؛ لأنا أجمعنا على بذل المال بغير حق في فداء الأسارى والمخالعة والظلمة والمحاربين والشعراء، فكذلك هاهنا لدرء الخصومة، ولأنه قاطع للمطالبة فيكون مع الإنكار كالإبراء، أو يجوز مع عدم المال من الجهتين كالصلح على دم العمد؛ أو لأنه تصح هبته مع الإنكار فيصح الصلح عليه قياساً عليها. فرع: في الكتاب: تجوز المصالحة على مائة درهم حالة على خمسين إلى أجل؛ لأنك حططته وأخذته، وعلى ذهب وعرض في الحال وإن كان مقراً، قال ابن القاسم، وكذلك إذا كان منكراً، قال صاحب التنبيهات: اشترط مالك الإقرار حتى يتعين المعروف بالتأخير إذ مع الإنكار يكون التأخير سلفاً لئلا يحلف المنكر فيذهب الحق وترد اليمين عليه، وابن القاسم ينظر إلى كل واحد منهما ولا يلتفت إلى ما يوجبه الحكم، فالمنكر يقول: افتديت من اليمين والطالب يقول: أخذت بعض حقي، وقال عبد الملك: يفسخ بالقرب، فمالك يراعي الشروط الثلاثة المتقدمة، وابن القاسم: لا يعتبر إلا اثنين، ويلغى ما يوجبه الحكم، قال ابن يونس: وعن ابن القاسم: لو قال أخزن سنة وأقر لك، امتنع لأنه سلف للنفع، وقيل: إن وقع بطل التأخير وثبت الحق، وقيل: يسقط التأخير والحق، وترجع الخصومة؛ لأنه لم يقر بل، وعد بالإقرار، وعن مالك: إذا قام شاهد فقال: أسقط عني اليمين وأؤخرك سنة، يمتنع لأنه سلف للنفع، قال اللخمي: قال ابن القاسم: إذا صالحه على ثوب بشرط أن يصبغه أو عبد فيكون الخيار في ثلاثة أيام، يمتنع لأنه كفسخ دين في دين، وقيل: يجوز. فرع: في الكتاب: إذا صالح على إنكار، ثم أقر أو وجد بينة: إن كان عالماً ببينة لا قيام له بها، وكذلك إن كانت غائبة فخاف فوتها أو عدم الغريم؛ لأنه اسقط حقه منها، قال ابن يونس: قال سحنون: إذا أقر بعد الصلح خير الطالب في المسك بالصلح أورده، وأخذ المقر به، قال: ولهذا تفسير لقول ابن القاسم، وعن ابن القاسم: إذا كانت بينة بعيدة الغيبة، وأشهد أنه إنما يصالح نقداً ويمتنع التأخير لما تقدم ويدخله في العرض الدين بالدين، فإن زاد البائع عرضاً أو عبداً نقداً ولم يفت العبد جاز؛ لأنهما في نفقة واستغنى فزاده وتمتنع زيارة البائع دراهم نقداً؛ لأنه سلف منه، أو دنانير امتنع؛ لأنه عبد وذهب بفضة إلى أجل، وكذلك كان المبيع بدنانير مؤجلة ثم يزيده دراهم نقداً فإن العبد بعتق أو تدبيراً أو موت والثمن دراهم، امتنع زيارة البائع دراهم نقداً لأنها سلف يرده المبتاع عند الأجل، بل يضع عنه حصة العيب، قال صاحب التنبيهات: قوله: دنانير ودراهم؛ مشكل لوقوع الدنانير على الكثير، فهو صرف وبيع إن كان رأس المال ذهباً فذهب وعبد بذهب؛ فقيل: مغنى ذلك إن كان البيع بذهب يكون الصلح بذهب على أن يسقط عنه من الذهب ذلك ويقتاصه، وإن كان دراهم فتكون أقل من صرف دينار، وقيل: بل الكلام على التفصيل إن كان ذهباً فيرد ذهباً أو دراهم فدراهم، ويحتمل إن أراد بذكر الدنانير الذهب من غير كثرة، فإن كان في المسألة المردود ذهباً أقل من دينار جاز، وإن كان رأس المال فضة فإن رد الدراهم فعلى المقاصة، وإن كانت كثيرة وإن كان رأس المال ذهباً فإن رد ذهباً فعلى المقاصة، وإن كانت كثيرة وإن رد دراهم فعلى أنا دون صرف نصف دينار، قال ابن يونس: قال أبو محمد: إذا فات العبد لا أدري معنى قوله تمتنع زيارة البائع دراهم نقداً؛ لأنها سلف للمبتاع؛ لأن العبد فأت فلا يمنع السلف إلا أن يعطيه دراهم أقل من حصة العيب البائع في دفع قليل كثير وقال ابن القاسم: إنما يمنع هذا؛ لأنه دفع بها خصومة العيب فهو سلف لمنفعة وعلى هذا التعليل تمنع وإن كان أقل من حصة العيب وهو أحسن مما تقدم لأبي محمد. لذلك فله القيام، قال: وينبغي أن لا يختلف إذا أعلن بالإشهاد كما لو قال للحاكم: لي بينة بعيدة الغيبة فأحلفه لي، فإذا قدمت قمت بها، فإنه يحلفه له، ويقوم بالبينة، وأما إن لم يشهد على الغريم بل أشهد سراً أنه إنما يصالحه لذلك، أو صالح عالماً بالبينة، فالخلاف فيهما، أو كان يقر سراً ويجحده في العلانية، فصالحه على تأخير سنة، وأشهد أنه إنما يصالحه لغيبة بينته، فإذا قدمت قام بها، ففي قيامه بها قولان، ولم يختلف فيمن صالح على الإنكار، ثم إن أقر أن صكة ضاع ثم وجده أن له القيام فيهما؛ لأن وجود الصك كوجود بينة لم يعلم بها، ولو قال الغريم: حقك حق فات بالصك (وخذ حقك فقال: ضاع صكي وأنا أصالحك فيفعل، لا قيام له بالصك بخلاف الأول لدخوله على إسقاط موجب الصك)، ولو أشهد إنما صالحه على إنكاره وهو على حقه لم ينفعه ذلك، وتمتنع الشهادة على شرط يخالف الصلح، ولو قال: أخرني سنة أقر لك، فأشهد سراً إنما أؤخره لأنه جحدني، وإن وجدت بينة قمت بها، فذلك له؛ لأنه ألجأه لذلك، وعن مالك: إذا صالحه على خمسة دراهم كل شهر على أنه إن ادعى عليه بدفع شيء فأنكره فلا يمضي عليه، سقط الشرط، وعليه اليمين، قال ابن يونس: وينبغي أن يبطل التأخير لأنه إنما أخره لإسقاط اليمين، وعن ابن القاسم: إذا اصطلحا على اليمين وطرح البينات، أو على أن الناكل يغرم بلا رد يمين، أو بعد ردها، ذلك لازم، قال: وهو أحسن من الأول، والمؤمنون عند شروطهم. فرع: في الكتاب: إذا صالح أحد الولدين غريم الأب على حصته فأخوه شريكه، وكذلك الشركاء في كل ما بينهم من حق بكتاب أم لا من بيع بعين أو شيء غير الطعام وإلا دام؛ لأن القسمة بيع، وبيع الطعام قبل قبضه ممنوع، وكل ما قبض أحدهم كان الآخر شريكه فيه؛ لأنه مقتضى الشركة، إلا أن يلتزموا له قبل الشروع في المطالبة عدم المشاركة، وللطالب رفعهم للإمام فيوكلوا أو يطالبوا وإلا خصصه بما اقتضى، وقيل: لهم المشاركة فيما أخذوا ويسلموا له، ويتبعون الغريم؛ لأن الأصل بقاء حقهم وشركتهم، فإن اختاروا اتباع الغريم لم يشاركوه بعد ذلك؛ لأن ذلك مقاسمة، والقسمة لازمة (وإن ثوى على الغريم)، وإن كان الحق بكتابين اختص كل واحد بمقبوضه، وإن كان أصل الكتابين مشتركاً؛ لأن تعدد الكتب كالقسمة. فائدة: قال صاحب التنبيهات: ثوى بكسر الواو وفتحها: هلك والكسر أفصح، وعن مالك: الجواز في الطعام وغيره، وهو على الخلاف في القسمة هل هي بيع أو لا؟ قال ابن يونس: قال أبو محمد: إذا باعا سلعتين من رجل وكتبا بثمنها كتاباً واحداً لا تكون بينها شركة في الحق، قال: وفيه نظر؛ لأن تعدد الكتب لما أوجب تعدد الحقوق فاتحادها يوجب اتحادها، وهو ظاهر الكتاب: وهذا إذا جمعا السلعتين في عقد، حتى لو استحق وجه الصفقة للمشتري الرد على القول يجوز الجمع بين السلعتين، وقيل: لا ينفع مجرد الإشهاد في الاختصاص دون الرضا بالخروج، فإن امتنع من الخروج معه ألزمه الإمام بالمقاسمة، وإذا التزم القاعد اختصاص القابض اختص، كان الغريم مليّاً أو معدماً إلا بالمقبوض بخلاف الكفيل لا يوجد معه إلا مقدار حق الحاضر فيقضي به، ثم يعدم للآخر مشاركته؛ لأن القضاء بذلك خطأ، وهاهنا قسمة صحيحة، قال اللخمي: إذا أذن الإمام له عند غيبة شريكه اختص كإذن الشريك لقي الغريم موسراً أم لا، وإن اقتضى بغير إذن شريكه بعد أعلامه بذلك وسأله أن يقتضي معه فامتنع اختص أيضاً؛ لأنه لو رفعه حينئذ إلى الحاكم لقضى عليه بالاختصاص، قال ابن القاسم: قال: وفيه نظر؛ لأنه إنما امتنع من الخروج ولم يرض بالاختصاص، واختلف إذا كان الغريم حاضراً فاقتضى بغير علمه، فلم يخصصه مالك، وقيل: يختص، قال: وبه أقول؛ لأن الدين إن قدر كالعين كان له الاختصاص، وكذلك اختلف في العين بين الشريكين، يقسم أحدهما لنفسه، منع ابن القاسم الاختصاص وجوزه أشهب، ويتخرج على هذا بيع نصيبه فيختصر بالمبيع على الخلاف، وفي كتاب القسم: له بيع نصيبه من العبد، ويختص بالثمن، بخلاف الطعام، لأن فيه المقاسمة قبل البيع، فلما لم يقاسمه بقي الثمن مشتركاً، والعبد لا يقسم، ولو باع الطعام على أنه لا يبيعه له بل يبقى شريكه كان كالعبد، وكذلك لو باع الدين من غريم أو أجنبي يتخرج على هذا. فرع: في النوادر: قال عبد الملك: لولي اليتيم المصالحة عنه فيما يخصه بإسقاط البعض وأخذ البعض على وجه المصالحة، وأما ما يكون فيه مطلوباً هو وأبوه فيما ورثه: فلا يجوز حتى تثبت الدعوى فيجوز على القيمة من ذلك؛ لأن له عن ذلك مندوحة قبل الثبوت، قال أصبغ: ولو ماتت وتركت أبوين وولداً صغيراً، وصالح الأبوان الزوجة على أن يأخذا ما ساقت المرأة ويأخذ ما ساق إليها، ولم يذكر الابن فميراثه فيما أخذا إن كان يقارب، وإلا انتقض الصلح وورث من الجميع، ويختص النقص بها) فإن صالح أجنبي ليس بولي ولا وصي عنه، وعن أطفال في حق له ولهم، أو عليه وعليهم: قال سحنون: لزمه حصته، وينظر الحاكم للأطفال فيمضي إن كان نظرا. فرع: قال: قال ابن القاسم: إذا استحقت الدار بعد الصلح عليها رجع بالمال، أو نصفها رجع بنصفه. فرع: قال: قال عبد الملك: إذا قضى القاضي بحق فصالحت عليه، ثم رجع القاضي رجعت بمالك كما لو دفعت الحق، وقال مطر: لا يرجع بخلاف لو دفعت الحق؛ لأن الحق مبني على القضاء، وقد انتقض، والصلح لا يتوقف على ثبوت الحق، بل يصح مع الإنكار. فرع: قال: إذا استحق مال الصلح على الإنكار: قال سحنون: يرجع بمثله في المثلي، أو قيمته في غير المثلي إن كان الاستحقاق من يد المدعي، وإن كان من المدعى عليه لم يرجع شيء لأنه إنما دفع عن نفسه خصومة بما أعطى لا بشيء ثابت، وقيل: يرجع. فرع: قال: قال مُطرف: إذا رضي أكابر الأولاد بشهادة زيد أنه يعلم محاسبة موروثهم فشهد بالبراءة، فللأصاغر عدم الرضا بالشهادة، ويحلف الغريم، فإن نكل وحلفوا غرم حصته (للأصاغر فقط، ولو كان نكوله كالإقرار لدخلوا كلهم، ولو وجدت بينة لم يغرم إلا الأصاغر)؛ لأن الأكابر صدقوا الشاهد الأول، ولو كان الأكابر أوصياء للأصاغر لزمهم صلحهم. فرع: قال: قال مالك: على الميت ثلاثة آلاف وترك ألفاً واحداً ووارثاً واحداً فقال: أخروا الألف عندي سنة وأنا ضامن لدينكم جاز؛ لأنها معاوضة على براءة الميت، فإن كان معه وارث غيره وربح الألف بعد الوفاء على فرائض الله تعالى، جاز، وإن انفرد به امتنع؛ لأنه ضمان بجعل، وكذلك إن ترك عرضاً. ويمتنع: أضمن لكم نصف ما بقي وتحاللوا إلي بخلاف إقرار المال بيده، ويجوز أن يصالح على إعطاء النصف والأداء من الباقي، وإن أسلم إليه المال وتحمل ثم طرأ دين آخر غرم الجميع. فرع: قال: إذا طلب المصالح أخذ الوثيقة التي صالح عليها فللآخر منعه؛ لأنه يشهد له بمال الصلح لثبوت أصل الحق، ويكتب الآخر وثيقة بتاريخ متأخر ليشهد له بصلحه. قاله مطرف. فرع: في الكتاب: لهما مائة دينار عن شيء أصله بينها، فصالح أحدهما عن حقه بعشرة ولم يعذر من شريكه، فشريكه مخير في تسليم ذلك، ويتبع الغريم بخمسين، أو يأخذ من شريكه خمسة ويتبع الغريم بخمسة وأربعين، ويرجع صاحبه بخمسة، وعن ابن القاسم: لغير المصالح أخذ خمسة من المصالح؛ لأنه صالح بغير إذنه في الاختصاص، ثم يرجع على الغريم بخمسة لأنه لم يرض بالمصالحة، فإذا قبضها رد الخمسة للمصالح، وقال غيره: أن اختيار الدخول مع المصالح جعل دينهما ستين. فيكون له خمسة أسداس العشرة ويرجع بها المصالح على الغريم، ويرجع الآخر عليه بالباقي، وهو أحد وأربعون وثلثان، وكذلك لو قبض العشرة للقضاء وحط أربعين لشريكه كما تقدم، ولو قام عليه شريكه قبل الحطيطة فقاسمه العشرة ثم حط الأربعين، لا يرجع الشريك لأنه قاسمه وحقه كامل، ثم يتبعان الغريم: هذا بخسمة وهذا بخمسة وأربعين. فرع: في الكتاب: لو باع أحدهما حقه وصالح منه على قمح، فلشريكه رده واتباع الغريم؛ لأنه لم يأذن، أو أخذ نصف القمح لأنه عوض عن الحق، قال سحنون: ويكون بقية الدين بينهما، وعن ابن القاسم: للذي لم يصالح أخذ نصف العوض المصالح به إن صالح على عوض، ثم إذا قبض جميع حقه رد المصالح قيمة العوض الذي أخذ مه يوم الصلح، قال ابن يونس: يرد القيمة وإن كان مكيلاً أو موزوناً؛ لأن السعر قد يختلف في المثلي فيظلمه بدفع المثل. قاله بعض شيوخنا، قال: وكذلك إذا وهبه مثلياً للثواب ففات في يد الموهوب، وكذلك فداء الأسير بالمثلي، وقال غيره: بل يرجع بالمثل في مسألة الشريكين، قال: وهو الصواب؛ لأنه القاعدة في الغضب وغيره. فرع: في الكتاب: إذا كان بينها عروض مثلية أو غير مثلية غير الطعام والإدام، فصالح أو باع بعشرة لشريكه نصفها وما بقي على الغريم بينهما؛ لأن الجميع مشترك، والعوض عن المشترك مشترك، فإن سلم له ذلك وامتنع الغريم لا يرجع عليه كالمقاسة. فرع: قال اللخمي: إذا باع نصيبه من الدين دخل من لم بيع عليه قوله في الكتاب: فيقاسمه نصفين اتفاقاً، ولو كان بينهما مائة فاقتضى نصيبه رجع عليه بخمسة وعشرين على القول بالرجوع، وفيه خلاف، واختلف أيضاً كيف يكون رجوعهما؟ فقال مرة: يرجع الذي لم يقبض على الغريم، فإذا استوفي ذلك أخذ شريكه نصيبه وهو خمسة وعشرون، وإن أخذ خمسة وعشرين أخذ منها شريكه نصفها، وكذلك في جميع ما يأخذ. فرع: قال: لو فلس الشريك كان المقتضي أحق بنصيبه الذي يستحقه من غرمائه؛ لأن حقه متعلق بذلك الدين، وإن هلك ما على الغريم لم يكن له شيء. فرع: في الكتاب: يمتنع إذا استهلك لك بعيراً أن يصالحه على مثله إلى أجل؛ لأنه فسخ دين في دين بخلاف الدنانير المؤجلة إن كانت القيمة فأدنى وإلا امتنع النسأ في النقدين والقمية التي وجبت لك من النقدين، والتأخير في غير ذلك معروف إن كان المستهلك يباع في البلد بالدنانير، ويجوز على دراهم نقداً أو عرضاً نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك حذراً من المعاوضة بالمجهول. وإن كان يباع بالدراهم جاز على دراهم مؤجلة مثل القيمة فأدنى، ويمتنع بدنانير أو عرض إلا نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك من الدنانير، وإلى أجل يمتنع؛ لأنه فسخ الدين في الدين، فإن تعجله بعد الشرط لم يجز لوقوع العقد فاسداً، وإن غصبك عبداً فأبق فكالاستهلاك، قال ابن يونس: وقيل: له ترك القيمة وطلب العبد (لأن كليهما حقه، وقيل: ليس له ترك القيمة وطلب العبد) وكأنه اشترى بها عبداً آبقاً، وعن ابن القاسم: إذا ذبح لك شاة يمتنع أخذك بالقيمة حيواناً مأكولاً إن كان لحمها لم يفت؛ لأنه لحم بحيوان، وإلا جاز نقداً بعد معرفة قيمة الشاة، ويجوز أن يأخذ في الصُبرة القمح المستهلك ما شئت نقداً، وتمتنع مكيلتها من القمح أو الشعير أو السَّلت على التحري؛ لأنه بيع الطعام غير معلوم التماثل، ويجوز كيل أدنى من كيل الصُبرة لأنه أخذ بعض الحق. فرع: في الكتاب: من أوصى بما في بطن أمته لم يجز للورثة مصالحة الموصى له (لأنه بيع للجنين وهو بيع الغرر بخلاف خدمة العبد وثمرة النخل وسكنى الدار ولبن الغنم وسمنها لأنها يجوز بيعها) قال ابن يونس: قيل: إنما جاز شراء السكنى وحوها لتخليص الرقاب، وإن كانت السكنى مدة العمر مجهولة فاستثني الجواز هاهنا لتخليص الأمة كضرورة البيع وغيره. فرع: في الكتاب: إذا ادَّعيت شقصاً فصالحك المدعى عليه ففيه الشفعة إن كان عن إقرار؛ لأنه بيع، وإلا فلا. فرع: في الكتاب: إذا أنكر عيب العبد المعيب جاز الصلح عليه، فإن كان الثمن إلى اجل فصالحته قبل الأجل على الرد إليه مع عبدٍ آخر أو عرض نقداً؛ جاز كجواز الاستقالة منه قبل الأجل على عرض نقداً، وإنما يكره أن ترد دراهم أو دنانير قبل الأجل نقداً؛ لأنه بيعٌ وسلف من المشتري ليأخذ من نفسه لنفسه عند الأجل، وفي الدراهم صرف مستأخر، فإن امتنع من الزيادة في الصلح حط من الثمن بقدر العيب؛ لأنه كجزء المبيع يبقى عند البائع، فإذا حل الأجل كان النقدان والعرض نقداً، ويمتنع التأخير لما تقدم، ويدخله في العرض: الدين بالدين، فإن زاده البائع عرضاً أو عبداً نقداً ولم يفت العبد؛ جاز لأنهما في صفقة، واستغلى فزاده، وتمنع زيادة البائع دراهم نقداً؛ لأنه سلف منه، أو دنانير امتنع؛ لأنه عبد وذهب بفضة إلى أجل. وكذلك إن كان المبيع بدنانير مؤجلة ثم يزيده دراهم نقداً، فإن فات العبد بعتق أو تدبير أو موت والثمن دراهم: امتنع زيادة البائع دراهم نقداً؛ لأنها سلف يرده المبتاع عند الأجل، بل يضع عنه حصة العيب. قال صاحب التنبيهات: قوله: دراهم ودنانير مشكل؛ لوقوع الدنانير على الكثير، فهو صرف وبيع، وإن كان رأس المال ذهباً بذهب، وعبد بذهب، قيل: معنى ذلك: إن كان البيع بذهب يكون الصلح بذهب على أن يُسقط عنه من الذهب ذلك ويقاصه به، وإن كان دراهم فيكون أقل من صرف دينار، وقيل: بل الكلام على التفصيل: إن كان ذهباً فيرد ذهباً أو دراهم فدراهم، ويحتمل أنه إن أراد بذكر الدنانير الذهب من غير كثرة. فإن كان في المسألة المردود ذهباً أقل من دينار جاز، وإن كان رأس المال فضة: فإن رد دراهم فعلى المقاصة وإن كانت كثيرة، وإن كان رأس المال ذهباً: فإن رد ذهباً فعلى المقاصة وإن كانت كثيرة، وإن رد دراهم فعلى أنها دون صرف نصف دينار، قال ابن يونس: قال أبو محمد: إذا فات العبد لا أدري معنى قوله: تمنع زيادة البائع دراهم نقداً لأنها سلف للمبتاع؛ لأن العبد فات فلا يمنع السلف إلا أن يعطيه دراهم أقل من حصة العيب، فيتهم البائع في دفع قليل في كثير. وقال ابن القابسي: إنما يمنع لهذا لأنه دفع بها خصومة العيب فهو سلف لمنفعة، وعلى هذا التعليل يمنع، وإن كان أقل من حصة العيب، وهو أحسن مما تقدم لأبي محمد. فرع: في الكتاب: يُمتنع الصلح على البراءة من عيوب العبد بعد العقد بدراهم؛ لأن البائع لا يبرأ حتى يوقف المشتري على العيب، قال ابن يونس: لهذا على قول مالك: لا تنفع البراءة مما علمه حتى يبينه، وعلى قوله في إجازة البراءة مما لا يعلمه: تجوز البراءة بعد العقد. فرع: في الكتاب: صلح الأجنبي على دينك يلزمك، وإن لم يقل: أنا ضامن؛ لأنه إنما قضى على الذي عليه الحق، قال صاحب التنبيهات: معناه: أن الأجنبي ضامن لما صالح به. قاعدة مذهبية: إذا فعل الإنسان عن غيره ما شأنه أن يفعله مضى فعله عليه، وكان له الرجوع عليه كان واجباً كدفع الدين، أو غير واجب كغسل الثوب خلافاً لـ(ش) تنزيلاً للإذن الشرعي في الواجب أو في العادي في غير الواجب منزلة الإذن القولي، فإن العوائد تقوم مقام الأقوال إجماعاً في النقود وغيرها فكذلك هاهنا. فرع: في الكتاب: إذا صالحت على ألف درهم نقداً بمائة، لا يضر الافتراق قبل القبض لأنها بعض دينك، وقد كان لك تأخير الجميع، ويمنع في العروض والطعام من سلم إذا صالح على رأس ماله؛ لأنه فسخ دين في دين، وبيع الطعام قبل قبضه. فرع: كره ملك المصالح على الدراهم الجياد بالمخلوطة بالنحاس أو البهرجة والتعامل بها، وإن بين لما فيه من تكثير الغش بين الناس، وتقطع، قال ابن القاسم: يجوز الصلح إن لم يغر بها أحداً إن كان يأخذها ليقطعها. فرع: في الكتاب: تجوز المصالحة على طعام قرض وعشرة دراهم بأحد عشر درهماً نقداً، ويمتنع من بيع؛ لأنه الطعام قبل قبضه، قال ابن يونس: يريد: إذا كانت دراهم الطعام حالة، ويمتنع في المؤجلة حل أجل الطعام أم لا؛ لأنك بعته ليجعل الدراهم. فهو بيع وسلف. فرع: في الكتاب: لك مائة دينار ومائة درهم حالة، يجوز الصلح على مائة دينار ودراهم؛ لأن الدنانير قضاء عن الدنانير، والدراهم عن الدراهم، وأسقط الباقي، وتمتنع على مائة مؤجلة وعشرة نقداً؛ لأن للمتأخر حصة من الذهب والفضة، فهو صرف وبيع وسلف، قال ابن يونس: سواء نقد الدراهم في المسألة الأولى أم لا؟ وكذلك المائة دينار لأنها قضاء وحطيطة، ولو أخذ منه مائة دينار وديناراً نقداً جاز؛ لأن المائة قضاء والدينار بيع بالمائة درهم، ولو تأخر الدينار لم يجز؛ لأنه صرف مستأجر ولو نقد الدينار، وأخر المائة امتنع؛ لأنه بيع وسلف. فرع: في الكتاب: إذا ادعيت مائة دينار فصالحت عليها بألف درهم يتأخر بعضها، امتنع لأنه صرف مستأجر، وأن سميتُما مبلغ الدنانير جاز الصلح بذهب أو فضة أو عرض نقداً، ويتحالان ويمتنع التأخير؛ لأنه دين بدين، قال ابن يونس: قيل: إذا صالحه على ما يشك أنه مثل السكة أو أقل من الوزن إلى أجل جاز، في الموازنة: إذا قضى مثل عينيها وجودتها نقداً، جاز قل أو كثر، ويمتنع أكثر إلى أجل؛ لأنه تأخير بزيادة، وقال أشهب: إذا جهلا وزنها جاز كل شيء؛ لأنهما لا يتعمدان الفساد إذا كان ذلك نقداً، ويمتنع إلى أجل إذ قد يعطيه أكثر من حقه، فإن اصطلحا على شيء امتنعت الإقالة في ذلك الصلح؛ لأنهما يخرجان من معلوم إلى مجهول، وكذلك كل متصالحين على الإنكار. فرع: في الكتاب: يمتنع على ثوب بشرط صبغة، أو على أنك فيه بالخيار ثلاثاً؛ لأنه دي في دين. فرع: في الكتاب: يمتنع على ثوب بشرط صبغة، أو على أنك فيه بالخيار ثلاثاً؛ لأنه دين في دين. فرع: في الكتاب: إذا أشهدت: إذا أعطاك من الألف الحالة مائة سقط الباقي، لزمكما ذلك؛ لأنه يدخل في تصرف المال، فإن أعطاك سقط الباقي، والألف باقية لعدم الشرط، قال ابن يونس عن مالك: إن عجلت حقي اليوم أو إلى شهر فلك وضيعة كذا. فعجل إلا درهماً، أوبعد الوقت باليسير، لزمتك الوضيعة؛ لأن ما قارب الشيء له حكمه، ومنع الشرط بعدم جزئه. قاعدة: الوعد غير لازم إلا أن يدخل الموعود في خطر، أو يترتب عليه تعليق كما في هذه المسألة فيلزم نفياً للضرر وفاء بالشرط، ولو لزم مطلقاً لأدى ذلك لحسم مادة الوعد بالمعروف، وقوله: (وعدُ الكريم دين) خيرٌ معناه: الأمر للندب، أي: ليكون الكريم إذا وعد يلزم نفسه الوفاء كما يلزمه الوفاء بالدين، ويدل على الندبية كونه - عليه السلام - قرنه وخصصه بوصف الكرم الحاث على مكارم الأخلاق والوجوب لا يختص. فرع: في النوادر: إن لم أوفك عند القاضي لأجلٍ يذكره: فدعواي باطلة، أو يقول المدعي عليه: إن لم أوفك فدعواك حق مع يمينك، قال مطرف وعبد الملك: شرط ساقط؛ لأنه التزم للكذب في الظاهر بخلاف قوله: دعني أسافر، فإذا قدمت فأنت مصدق مع يمينك؛ لأنه عدة برد اليمين عليه، فيلزم. فرع: قال: قال مطرف: إذا صالح من شقعه على أنه متى أدى المشتري ولده رجع فيها، لا يلزمه، وله القيام متى شاء، وللمشتري مطالبته بالأخذ متى شاء ما لم يطل الزمان شهوراً كثيرة، قال أصبغ: الشرط لازم حتى يؤدي ولده توفية الشرط، وللمشتري رفض الصلح، ويوقف له الشفيع لأنه كمعروف أخذه، على أن له الرجوع فيه إن أداه فيلزم، كما لو شرط أن يترك الشفعة إلا أن يدخل عليه ضرر بالبيع، فمن باع من غيره فهو على شفعته. فرع: قال مطرف: صولح على سرقة وهو منكر، فأقر غيره أنه سرقها، فإن تمادى على أقراره قُطع وأخذ المدعي عليه مال الصلح، والمسروق منه تمام قيمة سرقته، وإن كان عديماً لزم الصلح الأول، ولو رجع سقط القطع؛ لأن الرجوع شبهة فيسقط الحد ويثبت العدم المتقدم، وإن كان معدماً؛ لأن الإعدام إنما يسقط السرقة المحققة، ولو صالحه على سرقة عبد فوجد فهو له دون السيد؛ لأنه صار في ضمانه ويدفع المال، وليس له رده لسيده وارتد المال؛ لأن الصلح وقع بأمر جائز، ولو قال للبينة: إنما أدفع خوفاً من السلطان وضرب السياط، وما أخذت شيئاً لا ينفعه، وما يتدافع الناس إلا للسلطان إلا أن يكون قريباً من السلطان، ويعلم أن السلطان يطاوعه فيجتهد فيه الحاكم. فرع: قال: ولو ذكر عند الصلح ضياع الصك فوجده، له القيام به بخلاف من وجد البينة، ولو قال: حقك حق فات بالصك فامحه وخذ حقك. فقال: قد ضاع وأنا أصالحك. فلا قيام له بالصك؛ لأنهما دخلا على سقوطه بخلاف الأول. فرع: قال: قال أصبغ: قال لرجل عليه مائة دينار لغائب: هلُمَّ خمسين، وأحط عنك خمسين على أن أضمن ذلك، صح، إن كان الغائب قريب الغيبة بحيث لا يطول لُبث المال في يديه (فيكون) وإلا فلا؛ لأنه معروف يفسد به بتوقع النفع. فرع: قال: قال مطرف: إذا صالح الوكيل حيث لا يجوز له الصلح على الموكل وقال: إن لم يجزه الطالب فما أعطيت رد إليك صح، ولا يكون الطلب أحق بما اقتضى وكيله من غرماء المطلوب إن قاموا، ولولا الشرط لم يرد المال ولم يدخل فيه الغرماء ويتبع بما بقي، ولو قطع الوكيل ذكر الحق وأفاته ضمن. فرع: قال: قال مطرف: ادعى، ولدٌ أن أباه الغائب وكلٌّه على المصالحة فصالح ثم وجد الأب ميتاً فرجع أحدهما عن الصلح، فإن كانت الوكالة بينة لزم جميع الورثة وإلا فلا، إلا أن يشاؤا، ولا خيار للخصم؛ لأنه رضي بالوكالة، فإن ردوا لزم المصالح في حصته؛ لأنه رضي بالصلح إن شاء الخصم ذلك وإلا فلا، ولو انفرد المصالح بالميراث لم يكن لأحدهما الرجوع لرضاهما. فرع: في الجواهر: إذا اطلع على عيب فصالح على عدم القيام بمال: فأصل ابن القاسم في المدفوع: الأخذ بالأحوط. وجعل هذا الصلح مبايعة ثانية بعد انفساخ الأول، فيعتبر فيها ما يحل ويحرم من بيع وسلف، وفسخ دين في دين، وأصل أشهب: أنها ليست فسخا للأول، وإنما في بترك المنازعة فيعتبر ما يجوز أخذه عن الإسقاط، والخلاف مبني على أصل مختلف فيه: هل من خير بين شيئين يعد كأنه مالك لما حازه قبل اختيار (أو منتقلا عن الأخذ؟ فإن المتمسك بالعيب ملك أن يتمسك به وإن يرد، فهو يفيد أنه ملك الرد قبل اختياره) فيكون الصلح على ما ملك في هذا العين أولا يكون مالكا إلا لما اختاره، وهو المتمسك، ومثاله: عبد بمائة دينار قبضها فتحوز المصالحة بكل شيء معجلا، ويشترط في العين أن تكون من سكة الثمن على أصل ابن القاسم؛ لأن المائة وجب ردها بدفع البائع عوضا عنها العبد، وما دفعه عن المعيب بغير السكة ليس بالمبادلة للمكايسة، ولو دفع دراهم أكثر من صرف دينار نقدا امتنع عنده؛ لأنه بيع وصرف فيمتنع إلا في القليل، ويجيزه أشهب لأنه يجيز البيع والصرف في عقد، أو لأنه لا يرى هذا معاوضة عن الثمن، وعلى دنانير مؤجلة تمتنع عند ابن القاسم؛ لأن المائة وجب ردها عنده، أخذ المشتري العبد بتسعين على أن يؤخره بالعشرة فهو بيع وسلف فيجري على أحكام البيع والسلف، ويجوز عند أشهب، وكذلك الدراهم المؤجله يمنعها ابن القاسم؛ لأنها صرف مستأخر ولو صالحه قبل نقد المائة معجلة امتنع؛ لأنه عبد ودنانير في دنانير يأخذها من المشتري إلا أن يشترط المقاصة من الثمن، فكأنه أسقط بعضه للعيب، ولو صالحه البائع على تسعين يأخذها منه ويؤخر عشرة لانعكس التفريع على المذهبين فيجوز عند ابن القاسم؛ لأنه عقد ثان على العبد بتسعين نقدا وعشرة مؤجلة، ويمتنع عند أشهب لبقاء العقد الأول على حاله، فأخذ من ثمنه عشرة سلفا حتى لا يقوم بالعيب فهو سلف للنفع، ولو صالحه على دراهم أو عرض مؤخر جاز عند ابن القاسم، ويمتنع عند أشهب؛ لأنه فسخ الثمن الأول في دين (فهو دين في دين) فرع: قال: الوضيعة في الصلح لازمة؛ لأن ذمة الغريم برئت منها. فرع: قال: الافتداء من اليمين بالمال جائز، ويحرم أخذه على المبطل.
|